قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾ ؛ أي في النارِ مع آلِهتهم ورُؤسائِهم :﴿ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ ؛ وقولهُ تعالى ﴿ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ؛ أي تَاللهِ ما كُنَّا إلاّ فِي ضلالٍ مُبين حيثُ سوَّينَاكُمْ برَبِّ العالَمين، فأَعْظَمْنَاكُمْ وعَبَدْنَاكم وعَدَلْنَاكم به، يُقِرُّونَ على أنفسِهم بالخطأ، ﴿ وَمَآ أَضَلَّنَآ ﴾ ؛ عنِ الْهُدَى، ﴿ إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ ﴾ ؛ يعني الشَّياطينَ. وَقِيْلَ : أضَلُّونا الذين اقْتَدَيْنَا بهم، ﴿ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ﴾ ؛ يشفعُ لنا مِن الملائكةِ والنبيِّين والمؤمنينَ حين يَشْفَعُونَ لأهلِ التوحيدِ، ﴿ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ ؛ أي ولا ذِي قرابةٍ يهمُّهُ أمرُنا. والْحَمِيْمُ : القريبُ الذي تَوَدُّهُ وَيَوَدُّكَ.
قال ابنُ عبَّاس :(إنَّ الْمُؤْمِنَ يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُؤْمِنِ الْمُذْنِب وَالصَّدِيْقِ الصَّاحِب الَّذِي يَصْدُقُ فِي الْمَوَدَّةِ). وفي الحديثِ : أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ :" إنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ فِي الْجَنَّةِ : مَا فَعَلَ صَدِيْقِي فُلاَنٌ ؟ وَصَدِيْقُهُ فِي النَّارِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : أخْرِجُواْ لَهُ صَدِيْقَهُ إلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ مَن بَقِيَ : فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِيْنَ، وَلاَ صَدِيْقٍ حَمِيْمٍ ".
ثُم قالوا :﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ ؛ أي رَجْعَةً إلى الدُّنيا، ﴿ فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ؛ المصدِّقين بالتوحيدِ ليحِلَّ لنا الشفاعةَ كما حَلَّتْ لأهلِ التوحيدِ.