قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ أي إقْرَأ عليهم يا مُحَمَّدُ ما أُنْزِلَ عليكَ مِن القُرْآنِ، وأقِمِ الصَّلواتِ الخمسِ في مواقِيتِها بشرائطِها وسُنَنِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ ؛ وذلكَ أنَّ في الصَّلاةِ تكبيراً وتَسْبيحاً وقراءةً ووُقوفاً للعبادةِ على وجهِ الذُّلِّ والخشُوعِ، وكلُّ ذلك يدعُو إلى شَكلِهِ ويصرفُ عن ضدِّهِ وهي الآمرُ والنَّاهي بالقولِ. والفَحْشَاءُ : ما قَبُحَ من العملِ، والْمُنْكَرُ : ما لا يعرَفُ في شريعةٍ ولا سُنَّةٍ.
قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(فِي الصَّلاَةِ مُنْتَهًى وَمُزْدَجَرٌ عَنْ مَعَاصِي اللهِ) (فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْمَعَاصِي لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إلاَّ بُعداً)، وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ : قال رسولُ اللهِ ﷺ :" مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إلاَّ بُعْداً ".
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ ؛ أي ولَذِكْرُ اللهِ إيَّاكم بالتوفيقِ والمغفرةِ والثواب أكْبَرُ من ذِكْرِكم إياهُ بالطاعةِ، وَقِيْلَ : ذِكْرُ اللهِ في المنعِ من الفحشاءِ والمنكرِ أكبرُ مِن الصَّلاة، ويجوزُ أن يكون أكبر في معنى الكِبَرِ في الجزاءِ والثَّواب، كما قال عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾[البقرة : ٤٥].
قالتِ الحكماءُ : ذِكْرُ اللهِ للعبدِ أكبرُ من ذكرِ العبد للهِ ؛ لأنَّ ذِكْرَ اللهِ للعبدِ على حدِّ الاستغناءِ، وذِكرُ العبدِ إياه على حدِّ الافتقار، ولأنَّ ذِكْرَ العبدِ يجَرِّ نَفْعٍ أو دَفْعَ ضُرِّ، وذِكرُ اللهِ للعبدِ للفَضْلِ والكَرَمِ، ولأنَّ ذكرَ العبدِ مخلوقٌ، وذكرَ اللهِ غيرُ مخلوقٍ.
وقال ﷺ فِي قولهِ تعالى ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ :" أيْ ذِكْرُ اللهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أحْسَنُ وَأَفْضَلُ، وَالذِّكْرُ أنْ تَذْكُرَهُ عِنْدَ مَا حَرَّمَ، فَتَدَعُ مَا حَرَّمَ، وَعِنْدَمَا أحَلَّ فَتَأْخُذُ مَا أَحََلَّ " وقال ﷺ :" مَنْ أحَبَّ أنْ يَرْتَعَ فِي ريَاضِ الْجَنَّةِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
وقال أبُو الدَّردَاءِ رضي الله عنه :(ألاَ أُخْبرُكُمْ بخَيْرِ أعْمَالِكُمْ وَأحَبهَا إلَى مَلِيْكِكُمْ وَأَتَمِّهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أنْ تَغْزُوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُواْ رقَابَهُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنَانِيْرِ وَالدَّرَاهِمِ؟) قَالُواْ : وَمَا هُوَ؟! قَالَ :(ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾.
وقال معاذُ بنُ جَبَلٍ :" سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أيُّ الأَعْمَالِ أحَبُّ إلَى اللهِ تَعَالَى ؟ قَالَ :" أنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطِبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وقال ﷺ :" مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُواْ فِي مَجْلِسٍ يَذْكُرُونَ اللهَ فِيْهِ ؛ إلاَّ حَفَّتْ بهِمُ الْمَلاَئِكَةُ ؛ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ؛ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيْمَنْ عِنْدَهُ ".
ورُويَ أنَّ رجُلاً أعتقَ أربَعَ رقابٍ، وآخَرَ قالَ : سُبْحَانَ اللهِ ؛ وَالْحَمْدُ للهِ ؛ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ وَاللهُ أكْبَرُ، ثُم إنَّ الذي لَم يعتِقْ سألَ حبيبَ سرّاً وفي أصحابه فقالَ : ما تقولونَ فيمَن أعتقَ أربعَ رقابٍ وأنَا قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ ؛ وَالْحَمْدُ للهِ ؛ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ وَاللهُ أكْبَرُ، فأيُّهما أفضلُ ؟ فنظَرُوا هُنَيْهَةً وقالوا : ما نعلمُ شيئاً أفضلَ مِن ذكرِ الله.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ ؛ أي ما تعملونَ من الخيرِ والشرِّ، لا يخفَى عليه شيءٌ.


الصفحة التالية
Icon