قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ ؛ قرأ نافعُ وأبو عمرو وحمزةُ والكسائي وخلف (تُصَاعِرْ) بالألفِ، وقرأ الباقونَ (تُصَعِّرْ) بغيرِ ألف. قال ابنُ عبَّاس :(مَعْنَاهُ : لاَ تَتَكَبَّرْ فَتَحْقِرُكَ النَّاسُ، وَلاَ تُعْرِضْ عَنْهُمْ بوَجْهِكَ إذَا كَلَّمُوكَ)، يقالُ : صَعِّرَ خَدُّكَ وَصَاعَرَ، إذا مَالَ وأعرضَ تكبُّراً. والمعنى : لا تَتَعَظَّمْ على خلقِ الله، ولا تُعرِضْ عنِ الناسِ تكبُّراً عليهم، بل يكونُ الفقيرُ والغنيُّ عندَكَ سواءٌ، ولا تَعْبَسْ في وجهِ أحدٍ مِن الناسِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً ﴾ ؛ أي ولا تَمْشِ في الأرضِ بالإعجَاب والبَطَرِ وَازْدِرَاءِ الناسِ، قال الحسنُ :(أنَّى لابْنِ آدَمَ الْكِبَرُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ؟!).
وروي : أنَّ الْمُهَلَّبَ بْنَ أبي صُفْرَةَ مَرَّ عَلَى مُطَّرِفِ بْنِ عَبْدِاللهِ وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ فِي جُبَّةِ خَزٍّ، فَقَالَ :(هَذِهِ مِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللهُ وَرَسُولُهُ) فَقَالَ لَهُ الْمُهَلَّبُ : مَا تَعْرِفُنِي؟! قَالَ :(بَلَى ؛ أعْرِفُكَ، أوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيْفَةٌ قَذِرَةٌ، وَتُحْمَلُ بَيْنَ الْعُذْرَةِ) فَمَضَى الْمُهَلَّبُ وَتَرَكَ مِشْيَتَهُ تِلْكَ.
وروي : أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ خَرَجَ يَوْماً يَتَمَشَّى، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ :(مَنْ هَذَا؟!) قَالُواْ : هَذَا وَلَدُكَ عَبْدُاللهِ، قَالَ : ادْعُوهُ، فَجَاؤُا بهِ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ :(يَا بُنَيَّ! أتَدْري بكَمِ اشْتَرَيْتُ أُمَّكَ ؟ اشْتَرَيْتُهَا بثَلاَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأبُوكَ لاَ كَثَّرَ اللهُ مِنْ مِثْلِهِ فِي النَّاسِ، أتَمْشِي هَذِهِ الْمِشْيَةَ؟!).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ ؛ الاخْتِيَالُ : هو التَّبَخْتُرُ في المشيِ، والفَخُورُ : هو الْمُتَطَاولُ بذِكْرِ المناقب على السَّامعِ والافتخار عليه، وذلك مذمومٌ لأن المستحقَّ على نِعَمِ اللهِ شُكراً لا الْفِخْرَ.