قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ ؛ نزلت هذهِ الآيةُ في الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، أتََى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ : إنَّ أرْضَنَا أجْدَبَتْ، فَمَتَى الْغَيْثُ ؟ وَقَدْ تَرَكْتُ امْرَأتِي حُبْلَى، فَمَاذَا تَلِدُ ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ بأَيِّ أرْضٍ وُلِدْتُ - أيْ عَلِمْتُ أيْنَ وُلِدْتُ - فَبأَيِّ أرْضٍ أمُوتُ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَا عَمِلْتُ الْيَوْمَ، فَمَا أعْمَلُ غَداً ؟ وَمَتَى السَّاعَةُ ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.
وقال ﷺ :" مَفَاتِيحُ الْغَيْب خَمْسَةٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إلاَّ اللهُ، لاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إلاَّ اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا كَسْبُهُ فِي غَدٍ إلاَّ اللهُ، وَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلاَّ اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ إلاَّ اللهُ ".
يقالُ : إنَّ هذه الخمسة الأشياءٍ التي ذَكَرَها اللهُ في هذه الآيةِ هي مفاتيحُ الغَيْب لا يعلمُها إلاَّ اللهُ، استأثَرَ اللهُ بهِنَّ، فلم يُطْلِعْ عليهِنَّ مَلَكاً مُقرَّباً ولا نَبيّاً مُرسَلاً.
ومعنى الآيةِ :﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ﴾ قيامِ ﴿ السَّاعَةِ ﴾، فلا يدري أحدٌ سواهُ متى تقومُ، في أيِّ سَنةٍ أو في أيِّ شهرٍ، ليلاً أو نَهاراً. وقوله ﴿ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ معناهُ : هو المختصُّ بإنزالِ الغيثِ، وهو العالِمُ بوقتِ إنزالهِ، (ويَعْلَمُ مَا فِي الأَرْضِ) أي لا يعلمُ أحدٌ ما في الأرحامِ أذكرٌ أم أُنثَى، أحمرٌ أم أسودٌ، وإنَّما يعلمهُ الله عَزَّ وَجَلَّ نطفةً وعلقة ومُضغةً، وذكراً أم أُنثى، وشقِيّاً وسَعيداً، ومتى ينفصلُ عن أُمِّهِ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾ يعنِي : ماذا تكسبُ من الخيرِ والشرِّ، أي مَا تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غداً خَيراً أو شرّاً، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ أي في بَرٍّ أو بحرٍ أو سَهلٍ أو جبلٍ. قال ابنُ عبَّاس :(هَذِهِ الْخَمْسَةُ لاَ يَعْلَمُهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ مُصْطَفَى، فَمَنِ ادَّعَى أنَّهُ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بالْقُرْآنِ لأنَّهُ خَالَفَهُ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ ﴾ ؛ أي عَلِيمٌ بخَلقهِ، خَبيْرٌ بأعمالِهم وبما يصيبُهم في مستقبلِ عُمرِهم.
وروي أن يهودياً كان في المدينة يحسب حساب النجوم، فقال اليهوديُّ لابن عباس : إن شئت أنبأتك عن ولدك وعن نفسك، إنك ترجع الى منزلك فتلقى إبناً لك محموماً، ولا يمكث عشرة أيام حتى يموت الولد، وأنت لا تخرج من الدنيا حتى تعمى، فقال ابن عباس : وأنت يا يهودي، قال : لا يحول عليَّ الحول حتى أموت ؟ قال : فأين موتك يا يهودي ؟ قال ما أدري، قال ابن عباس : صدق الله ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ قال فرجع ابن عباس فلقي إبناً له محموماً، فلما بلغ عشراً مات الصبي، ويقال عن اليهودي " أنه ماتَ قبل الحول "، وما خرج ابن عباس من الدنيا حتى كُفَّ بصره.