قَولُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ ؛ أعطيناهُ التوراةَ جُملةً واحدةً، ﴿ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ ﴾ ؛ وعَدَ النبيَّ ﷺ أن سيَلقى موسَى قبل أن يموتَ، ثم لَقِيَهُ في السَّماء ليلةَ المعراجِ أو في بيت المقدس حين أُسرِيَ به، والمعنى : فلا تكن في شكٍّ من لقاءِ موسى. قال ابنِ عباس :((يَعْنِي لَيْلَةَ الإسْرَاءِ)). ويقال : أرادَ به لقاؤهما في الجنَّة. ويقال : أرادَ به لقاءَ الله. ويقال : أرادَ به أن يلقَى مُحَمَّدٌ ﷺ من قومهِ الأذى مثلَ ما لَقِيَ موسى من قومهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ ؛ أي جعَلنا التوراةَ هُدًى لبني إسرائيلَ من الضَّلالة، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً ﴾ ؛ أي جعَلنا من بني إسرائيل أئمَّة، ﴿ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ ؛ يدُلُّون الناسَ على ديننا فيُقتدَى بهم، فهم أنبياؤهُم ومَنِ استقامَ منهم على الدِّين. وقوله تعالى :﴿ لَمَّا صَبَرُواْ ﴾ ؛ أي لما صبَرُوا جعلناهم أئمَّة، كأنه قال : إنْ صبَرتُم على طاعتنا وصبرتُم على معصيتنا جعلناكم أئمَّة.
قرأ حمزةُ والكسائي :(لِمَا صَبَرُوا) بكسرِ اللام وتخفيف الميم ؛ أي لِصَبْرِهِمْ. ومعنى القراءةِ الأُولى : حين صَبَروا. والمعنى : لَمَّا صبَروا على دينهم وعلى البلاءِ من عدوِّهم بمصر، ﴿ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ ؛ أي ولكونِهم موقنين بآياتِنا. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقَيَامَةِ ﴾ ؛ أي هو الذي يقضِي بين المؤمنين والكفار يومَ القيامة، ﴿ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ ؛ من الدِّين.
ثم خوَّفَ كفارَ مكة فقال :﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ ؛ أي أوَلَمْ يتبيَّن لهم آثارُ عذاب الاستئصالِ فيمَن أُهلِكَ قبلَهم من الأُمم الماضية المكذَِّبة ما يكون عبرةً لهم، يَمشُونَ في مساكنِ المهلَكين على منازلهم وقُراهم، مثل آثار عادٍ وثَمود وقومِ لوط وغيرهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ ؛ أي إنَّ في إهلاكِنا إياهم بالتكذيب، ﴿ لآيَاتٍ ﴾ ؛ لدلالاتٍ واضحة لِمَن بعدَهم، ﴿ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ﴾ ؛ سماعَ القبول والطاعةِ. ومن قرأ (أوَلَمْ نَهْدِ) بالنون، فالمعنى بإضافةِ الفعلِ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.