قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ ﴾ ؛ أي نَسِّبُوا هؤلاءِ الأدعياء إلى الآباءِ الذين قد وُلِدُوا على فِرَاشِهم وقولوا : زيدُ بنُ حارثةَ، ولا تقولوا : زيدُ بن مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي أعْدَلُ في حُكمِ الله من نِسبَتِكم إياهم إلى الذين تبنَّوهُم. وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنه أنه كان يقولُ :(مَا كُنَّا نَدْعُوا زَيْدَ بْنَ حَارثَةَ إلاَّ زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ ؛ فهم إخوانُكم في الدِّين ؛ أي مَن أسْلَمَ منهم، ﴿ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ ؛ أي وبنُو أعمَامِكم، فقولوا : يا أخِي ويا ابنَ عَمِّي في الآيةِ إباحةُ إطلاق اسم الأُخُوَّةِ وحظْرُ اطلاقِ اسم الأبوَّةِ، وفي ذلك دليلٌ على أن مَن قال لعبدهِ : هذا أخِي ؛ لَم يُعْتَقْ لأنه يحتملُ الأخُوَّة في الدِّين، وإن قال : هذا ابنِي ؛ عُتِقَ لأن ذلك ممنوعٌ في غير النَّسب.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ ؛ أي ليس عليكم إثْمٌ في نِسْبَةِ الرجُل إلى غير أبيه على وجهِ الخطأ. قال قتادةُ :(وَلَوْ دَعَوْتَ رَجُلاً لِغَيْرِ أبيْهِ وَأنْتَ تَحْسَبُ أنَّهُ أبُوهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ بَأْسٌ)، ﴿ وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ ؛ أي ولكنِ الإثمُ عليكم فيما تعمَّدونَهُ من ادعائهم إلى غيرِ آبائهم، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً ﴾ ؛ أي لِمَن تعمَّدَ ثم تابَ، ﴿ رَّحِيماً ﴾ ؛ به بعدَ التوبةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ موضع قوله (مَا) خُفِضَ عطفاً على قولهِ ﴿ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ ﴾ تقديرهُ : ولكن فيما تعمَّدت قلوبُكم.