قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ ؛ قال المفسِّرون :" كان بعضُ أزواجِ النبيِّ ﷺ سَأَلْنَهُ شيئاَ من عَرَضِ الدُّنيا وآذينَهُ بزيادةِ النَّفقة، فهَجَرَهُنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وآلَى منهنَّ شهراً أنْ لا يقرَبَهن ولَم يخرج إلى أصحابهِ للصَّلوات.
فقالتِ الصحابةُ : مَا شَأْنُ رَسُولِ اللهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : إنْ شِئْتُمْ ذَهَبْتُ إلَيْهِ لأُعْلِمَكُمْ مَا شَأْنُهُ ؟ فَذَهَبَ إلى النَّبيِّ ﷺ فَاسْتَأْذنَ فَأَذِنَ لَهُ. قَالَ عُمَرُ : فَجَعَلْتُ أقُولُ فِي نَفْسِي : أيُّ شَيْءٍ أكَلِّمُ بهِ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَعَلَّهُ يَنْبَسِطُ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ لَوْ رَأيْتَ فُلاَنَةَ وَهِيَ تَسْأَلُنِي النَّفَقَةَ فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً ؟ فَقَالَ ﷺ :" فَذلِكَ الَّذِي أجْلَسَنِي عَنْكُمْ ". فَأَتَى عُمَرُ حَفْصَةَ فَقَالَ لَهَا : لاَ تَسْأَلِي رَسُولَ اللهِ ﷺ شَيْئاً فَمَا كَانَ مِنْ حَاجَتِهِ لَكَ فَأَوْلَى.
ثُمَّ جَعَلَ يَتَتَبَّعُ نِِسَاءَ النَّبيِّ ﷺ يُكَلِّمُهُنَّ، حَتَّى قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : يَغُرُّكَ أنَّكِ امْرَأةٌ حَسْنَاءُ وَإنَّ زَوْجَكِ يُحِبُّكِ لَتَنْتَهِيَنَّ أوْ لَيُنْزِلَنَّ اللهُ فِيْكُنَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَتْ أُمُّّ سَلَمَةَ : يَا ابْنَ الْخَطَّاب ؛ أوَمَا بَقِيَ لَكَ إلاَّ أنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ وَنِسَائِهِ! فَمَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأةُ إلاَّ زَوْجَهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ﴿ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ ﴾ " إلى آخرها.
وكان يومئذٍ مع رسولِ الله ﷺ تسعُ نِسوَةٍ ؛ خمسٌ من قُريش : عائشةُ بنت أبي بكر، وحفصةُ بنت عُمر، وأمُّ حبيبةَ بنت أبي سُفيان، وسَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ، وأمُّ سَلَمَةَ بنت أبي أُميَّة، فهؤلاءِ من قريشٍ. وصفيَّة بنتُ حَييِّ بن أخطب الخيبريَّة، وميمونةُ بنت الحارثِ الهلالية، وزينبُ بنت جحشٍ، وجُوَيْرِيَّةُ بنت الحارثِ الْمُصْطَلِقِيَّةُ.
وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ :" كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ جَالِساً مَعَ حَفْصَةَ، فَتَشَاجَرَا فِيْمَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ لَهَا : هَلْ لَكِ أنْ أجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ رَجُلاً ؟ قَالَتْ : نَعَمْ، قَالَ : فَأَبُوكِ إذاً، فَأَرْسَلَ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ : تَكَلَّمِي، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ تَكَلَّمْ وَلاَ تَقُلْ إلاَّ حَقّاً! فَرَفَعَ عُمَرُ يَدَهُ فَوَجَّى وَجْهَهَا ثُمَّ رَفَعَ فَوَجَّى وَجْهَهَا، فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ :" كُفَّ ".
فَقَالَ عُمَرُ : يَا عَدُوَّةِ اللهِ! أوَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ إلاَّ حَقّاً، وَالَّذِي بَعَثَهُ بالْحَقِّ لَوْلاَ مَجْلِسُهُ مَا رَفَعْتُ يَدِي حَتَّى تَمُوتِي. فَقَامَ ﷺ فَصَعَدَ إلَى غُرْفَةٍ، فَمَكَثَ فِيْهَا شَهْراً لاَ يَقْرَبُ شَيْئاً مِنْ نِسَائِهِ، يَتَغَدَّى وَيَتَعَشَّى فِيْهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ﴾ الآيَةُ، فَنَزَلَ النَّبيُّ ﷺ فَعَرََضَ ذلِكَ عَلَيْهِنَّ كُلُّهُنَّ، فَلَمْ يَخْتَرْنَ إلاَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَكَانَ آخِرُ مَنْ عَرَضَ عَلَيْهَا حَفْصَةُ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ إنِّي فِي مَكَانِ الْعَائِذة بكَ مِنَ النَّار، وَاللهِ لاَ أعُودُ لِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ أبَداً، بَلْ أخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَرَضِيَ عَنْهَا ".