قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يانِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ ﴾ ؛ معناهُ : ليس قَدْرُكُنَّ عندي مثل قَدْر غيرِكن من النِّساء الصالحات، أنْتُنَّ أكرمُ عَلَيَّ، وأنا بكُنَّ أرحمُ وثوابُكن أعظمُ، ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾ ؛ اللهِ. وشَرَطَ عليهنَّ التقوَى بياناً أنَّ فَضِيلَتَهُنَّ إنَّما تكون بالتَّقوى لا باتِّصالِهن بالنبيَِّ صلى الله عليه وسلم. وَقِيْلَ : معناهُ. ليست حالَتُكن كحالةِ النِّساء غيركن في الطاعةِ والمعصية والثواب والعقاب إنْ كنتن مُتَّقِيَاتٍ عن المعاصي مُطيعاتٍ لله تعالى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾ ؛ أي فلا تُلِنَّ القولَ للرِّجال على وجهٍ يُورثُ ذلك الطمعَ فيكن، فيطمعُ المنافقون في مواقعتِكُن، فَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ ؛ يعني زنًى وفجُورٌ ونفاقٌ. والمرأةُ مَنْدُوبَةٌ إذا خاطبَتِ الأجانبَ إلى الْغِلْظَةِ في المقالةِ ؛ لأن ذلك أبعدُ مِن الطَّمعِ من الزِّينة.
وإنَّما قال ﴿ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ ﴾ ولَم يقل كواحدةٍ ؛ لأن أحَداً عامٌّ يصلحُ للواحدِ والاثنين والجمع والمذكَّر والمؤنث، قال تعالى :﴿ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ﴾[البقرة : ٢٨٥] وقال تعالى﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾[الحاقة : ٤٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ ؛ أي قُلْنَ قَولاً حَسَناً لا يؤدِّي إلى الزينةِ، وَقِيْلَ : معناهُ : وقُلْنَ ما يوجبهُ الدِّين والإسلامُ بغيرِ خضوعٍ فيه، بل بتصريحٍ وبيان. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ ؛ أي إلْزَمْنَ بيوتَكُن ولا تخرُجْن إلاّ في ضَرورةٍ.
قرأ نافعُ وعاصم (وَقَرْنَ) بفتح القافِ، وهو مِن قَرَرْتَ في المكانِ أقَرَّ، وكان الأصلُ اقْرِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، فحُذفت الرَّاء الأُولى التي هي عينُ الفعلِ لأجل نَقْلِ التَّضعيفِ، وأُلقِيَتْ حركتُها إلى القافِ كقوله﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾[الواقعة : ٦٥] و﴿ ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً ﴾[طه : ٩٧]، والأصلُ ظَلَلْتَ وظَلَلْتُمْ. وقرأ الباقون (وَقِرْنَ) بكسرِ القاف مِن الوَقَار ؛ أي كنَّ أهلَ سَكينةٍ ووَقارٍ، والأمرُ منه للرَّجُلِ قِرَّ، وللمرأة قِرِّي، والجماعة النساء قِرْنَ، كما يقالُ من الوعدِ : عِدْنَ، ومن الوَصْلِ : صِلْنَ.
وعن محمَّد بنِ سِيرين قال :(قِيْلَ لِسَوْدَةِ بنْتِ زَمْعَةَ : ألاَ تَحُجِّيْنَ ؛ ألاَ تَعْتَمِرِيْنَ كَمَا يَفْعَلُ أخَوَاتُكِ ؟ فَقَالَتْ : قَدْ حَجَجْتُ وَاعْتَمَرْتُ، ثُمَّ أمَرَنِي اللهُ أنْ أقِرَّ فِي بَيْتِي، فَوَاللهِ لاَ أخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى أمُوتُ. فَوَاللهِ مَا أُخْرِجَتْ مِنْ بَاب بَيْتِهَا حَتَّى أخْرَجُواْ جَنَازَتَهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ ؛ التَّبَرُّجُ : التَّبَخْتُرُ وَإظْهَارُ الزِّيْنَةِ، وما يستدعِي به من شَهوَةِ الرِّجال وإبراز الْمَحاسِنِ للناسِ. والجاهليةُ الأُولَى : هي ما بينَ عِيسَى عليه السلام ومُحَمَّدٍ ﷺ، كانتِ المرأةُ من أهلِ ذلك الزمان تَتَّخِذُّ الدِّرْعَ من اللُّؤلُؤِ فتلبسهُ ثُم تَمشِي وسطَ الطريقِ ليس عليها غيرهُ، وتعرِضُ نفسَها للرِّجالِ. وقال بعضُهم : الجاهليةُ الأُولَى ما بين آدمَ ونوحٍ، كان نساؤُهم أقبحَ ما يكون من النِّساءِ، ورجالُهم حِسَانٌ، وكانت المرأةُ تُرَاودُ الرجُلَ عن نفسهِ. فنهَى اللهُ تعالى هؤلاءِ عن فِعْلِ أهلِ الجاهليَّة وأمَرَهُنَّ بإقامةِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاة وطاعةِ الله ورسولهِ في باقِي الآيةِ.