قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ ؛ اختلَفُوا في المرادِ بالذِّكرِ الكثيرِ في هذه الآية. قال الكلبيُّ :(الْمُرَادُ بهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ أذْكَاراً كَثِيْرَةً، وَأرَادَ بالتَّسْبيْحِ التَّنْزِيْهَ فِي الصَّلاَةِ). وقال مجاهدُ :(هُوَ أنْ لاَ يَنْسَاهُ أبَداً). وقال مقاتلُ :(هُوَ التَّسْبيْحُ وَالتَّحْمِيْدُ وَالتَّهْلِيْلُ وَالتَّكْبيْرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ أنْ يَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ ؛ وَالْحَمْدُ للهِ ؛ وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ وَاللهُ أكْبَرُ. وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ يَتَكَلَّمُ بهِنَّ صَاحِبُ الْجَنَابَةِ وَالْغَائِطِ وَالْحَدَثِ).
قَالَ ﷺ :" يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : أنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بي شِفَاهُهُ ".
قَوْلُهُ تََعَالَى :﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، قال الكلبيُّ :(أمَّا بُكْرَةً فَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَأمَّا أصِيْلاً فَصََلاَةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاءِ). وقال بعضُهم : أرادَ بذلك صلاةَ الصُّبح وصلاةَ العصرِ على قولِ قتادةَ، وصلاةَ المغرب على قولِ غيرهِ. وخَصَّ طَرَفَي النهار بالذِّكر ؛ لأنه يجتمعُ عندَهُما ملائكةُ اللَّيل والنهار، فيقولون : أتينَاهم وهم يُصَلُّونَ، وتركنَاهُمْ وهم يُصَلُّونَ. وَقِيْلَ : خُصَّ التسبيحُ بطرَفَي النهار ؛ لأن صحيفةَ العبدِ إذا كان في أوَّلِها وآخِرِها ذكرٌ وتسبيحٌ يرجَى أن يُغْفَرَ له ما بين طَرَفَي الصحيفةِ.
وعن رسولِ الله ﷺ أنهُ قالَ :" مَا جَلَسَ قَوْمٌ قَطُّّ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى، إلاَّ نَادَى مُنَادِي السَّمَاءِ : أنْ قُومُوا فَقَدْ غُفِرَتْ لَكُمْ ذُنُوبُكُمْ، وَبُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ " وَقِيْلَ : معنَى قولهِ ﴿ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾ أي باللَّيلِ والنهار، وفي البَرِّ والبحرِ، والسَّفر والحضرِ، والغِنَى والفقرِ، والصِّحة والسَّقمِ، والسِّر والعلانيةِ، وعلى كلِّ حالٍ. وقال مجاهدُ :(الْكَثِيْرُ هُوَ الَّذِي لاَ يَتَنَاهَى أبَداً).


الصفحة التالية
Icon