قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾، نزَلت هذه الآيةُ في شأنِ ولِيمَةِ زينب، قال أنسُ ابن مالكٍ :" لَمَّا بََنَى رَسُولُ اللهِ ﷺ بزَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، أوْلَمَ عَلَيْهَا بتَمْرٍ وَسَوِيقٍ وَذَبَحَ شَاةً، وَبَعَثَت إلَيْهِ أُمِّي أُمُّ سُلَيمٍ بحَيْسٍ في تُورٍ مِنَ حِجَارَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أنْ أدْعُوَ أصْحَابَهُ إلَى الطَّعَامِ فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَدْخُلُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ آخَرُونَ فيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَوَضَعَ النَّبيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَدَعَا فِيهِ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبعُواْ وَخَرَجُواْ، وَبَقِيَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا.
فَقَالَ ﷺ :" ارْفَعُواْ طَعَامَكُمْ " فَرَفَعُواْ وَخَرَجَ النَّبيُّ ﷺ وَبَقِيَ أُوْلَئِكَ الْقَوْمُ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيْتِ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ. وَإنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِكَيْ يَخْرُجُواْ، فَمَشَى رَسُولُ اللهِ ﷺ إلَى جَميعِ بُيُوتِ أزْوَاجِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَإذا الْقَوْمُ جُلُوسٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَ النَّبيُّ ﷺ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ".
قال أنسٌ :" فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَاب جِئْتُ لأَدْخُلَ كَمَا كُنْتُ، فَقَالَ ﷺ :" وَرَاءَكَ يَا أنسُ " ".
ومعنى الآية :﴿ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ ﴾﴿ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ أي إلا أن يُدعَوا إلى الضيافةِ أو يُؤذن لكم في الدخول، من غير أن يجتنبوا وقتَ الطعام فيستأذنوا في ذلك الوقت، ثم تقعُدوا انتظاراً لبُلوغ الطعامِ ونُضجهِ.
ومعنى :﴿ غَيْرَ نَاظِرِينَ ﴾ أي مُنتظرين نُضجَهُ وإدراكَهُ، يقال أنَى يَأنِي إنَاهُ، إذا حانَ وأدركَ، وكانوا يدخلون بَيتَهُ فيجلسون منتظرين إدراكَ الطعام، فنُهوا عن ذلك.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ ﴾، أي فتفرَّقوا، ﴿ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾، ولا تجلسوا مُستَأنِسين لحديثٍ بعدَ أن تأكُلوا، ﴿ إِنَّ ذَالِكُمْ ﴾، إنَّ طُولَ مقامكم بعدُ في منزل النبي عليه السلام، ﴿ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ ﴾، ﷺ، ﴿ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ﴾، أن يأمركم بالخروج، ﴿ وَاللَّهُ ﴾، عَزَّ وَجَلَّ، ﴿ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾، أي لا يمنعه عن بيان ما هو الحقُّ استحياءً منكم، وإن كان رسولهُ يفعل ذلك.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾، أي إذا سألتُم أزواجَ النبيِّ ﷺ من متاعِ البيت، فخاطبُوهم من وراء الباب والسَّترِ، قال مقاتلُ :(أمَرَ اللهُ الْمُؤْمِنِيْنَ أنْ لاَ يُكَلِّمُوا نِسَاءَ النَّبيِّ ﷺ إلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ). وعن أنسٍ رضي الله عنه قال : قَالَ عُمر :(يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أمَرْتَ أُمَّهَاتَ الْمُؤْمِنِينَ بالْحِجَاب، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَاب).


الصفحة التالية
Icon