قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ ﴾، أي إنْ تُظهروا قَولاً أو تُضمِرُوهُ، فإنَّ الله عالِمٌ بالظواهرِ والبواطنِ والضمائر. وقيل : معناهُ : إنْ تُظهروا أشياءَ من أمرِهنَّ، يعني طلحةَ، قوله تعالى :﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ أي تسِرُّونَهُ في أنفسكم، وذلك أنَّ نفسَهُ حدَّثته بتزويجِ عائشة. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾، أي عليمٌ بكل شيءٍ من السرِّ والعلانية.
فلمَّا نزلَت آيةُ الحجاب قال الأباءُ والأبناء والأقاربُ : يا رسولَ الله ونحنُ أيضاً نُكلِّمُهنَّ من وراء حجاب ؟ فأنزلَ اللهُ :
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ ﴾، الآية. أي لا حرجَ عليهن في إذنِ آبائهن بالدخول عليهن، ولا في إذن الأبناءِ والإخوان وأبناء الإخوانِ وأبناء الأخوات.
فإن قيلَ : فهلاَّ ذكَر الأعمامَ والأخوال ؟ قيل : إنَّ العمَّ والخالَ يجريان مجرَى الوالدين في الرُّؤية، وكان ذِكرُ الأباء يتضمَّن ثباتَ حُكم الأَعمام والأخوال. وقيل : إنما لم يذكُر الأعمامَ والأخوال لكي لا يدخلَ أبناؤهما، ولا يطمَعا فيهن.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ ﴾، قال ابنُ عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(يَعْنِي نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ نِسَاءَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَصِفْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إنْ رَأيْنَهُنَّ). وقولهُ تعالى :﴿ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾، يعني العبيدَ والإماءَ، قيل : حَمْلُهُ على الإماءِ أوْلَى ؛ لأن الْحُرَّ والعبيدَ يختلفان فيما يُباح لهما من النَّظَر، فلا يجوزُ للبالغين من العبيدِ أن يَنظُروا إلى شيءٍ منهن.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ﴾، أي واتَّقين اللهَ أن يرَاكُنَّ غيرُ هؤلاء، وقيل : اتَّقين اللهَ في الإذنِ لغير المحارمِ في الدخول عليكن، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾، من أعمال العباد، ﴿ شَهِيداً ﴾، لم يغب عنه شيء.


الصفحة التالية
Icon