قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾، معناه : أنَّ اللهَ يترَحَّمُ على النبيِّ ويُثني عليه، وقوله :﴿ وَمَلاَئِكَـتَهُ ﴾ أي والملائكة يدعونَ له بالرَّحمة، وقوله تعالى :﴿ يُصَلُّونَ ﴾ الضميرُ فيه يعودُ على الملائكة دون اسم الله تعالى ؛ لأن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُفرِدُ ذِكرَهُ عن ذِكر غيره إعظاماً كما تقدم في قوله :﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾[التوبة : ٦٢]. وقرأ ابن عباس :(وَمُلاَئِكَتُهُ) بالرفع عطفاً على محل قوله تعالى قبل دخول (إنَّ)، ونظيره قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ ﴾[المائدة : ٦٩] وقد مضى ذلك.
وقيل : معنى قوله :﴿ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ ﴾ أي يُثْنُونَ ويترحَّمون ويَدْعُون له. وقال مقاتلُ :(أمَّا صَلاَةُ اللهِ فَالْمَغْفِرَةُ، وَأمَّا صَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ فَالاسْتِغْفَارُ لَهُ). وقولهُ تعالى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ ﴾، أي قولوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، تَعظِيماً وإجْلاَلاً وتَفضِيلاً.
وعن كعب بن عُجرة قال : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قِيلَ :" يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ :" قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَاركْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيدٌ " ".
وعن عبدِالله بن مَسعُود أنه قال :(إذا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبيِّ ﷺ فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْهِ ؛ فَإنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّ ذلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ. قَالُواْ : فَعَلِّمْنَا ذلِكَ. قَالَ : قُولُوا : اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً يَغْبطُهُ فِيهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾، يجوزُ أن يكون معناه : واخْضَعُوا لأمرهِ خُضوعاً، ويجوز أن يكون معناه : الدُّعاء بالسلامِ، يقول : السَّلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ. وعن الحسنِ قال :" سُئِلَ النَّبيُّ ﷺ فَقِيْلَ : يَا رَسُولَ اللهِ عَرَفْنَا السَّلاَمَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ :" قُولُوا : اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " والأفضلُ في هذا الباب أن تصَلِّي على مُحَمَّد وعلى آلهِ، فتقولَ : اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحََمَّد. فإنْ اقتُصِرَ على أحدهما جازَ.
واختلفوا في كيفيَّة وجُوب الصلاةِ على النبي ﷺ، فقال بعضُهم : تجبُ في العُمرِ مرَّة واحدةً بمنزلة الشهادَتين، وإلى هذا ذهبَ الكرخيُّ قالَ :(إذا صَلَّى عَلَيْهِ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ أدَّى فَرْضَهُ، إلاَّ أنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يُكْثِرَ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ حَقِّهِ فِي الدِّينِ عَلَيْنَا، كَمَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ الدُّعَاءُ لأَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنِيْنِ لِيَقْضِيَ بذلِكَ الدُّعَاءِ حَقَّهُمَا عَلَيْهِ).
وقال بعضُهم : تجبُ عليه في كلِّ مجلسٍ مرَّة بمنزلة سَجدَةِ التِّلاوة. وقال الطحَّاويُّ :(تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبيِّ ﷺ كُلِّمَا ذُكِرَ) واستدلَّ بما رُوي أنَّ جبريلَ عليه السلام قالَ للنبيِّ ﷺ :" مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصََلِّ عَلَيْكَ فَلاَ غَفَرَ اللهُ لَهُ " وقال الشافعيُّ رضي الله عنه :(الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَرْضٌ فِي كُلِّ صَلاَةٍ) وهذا قولٌ لم يقُل به أحدٌ غيرهُ.


الصفحة التالية
Icon