قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ﴾، أي قُل لنسائك وبناتِكَ والحرائرِ من النساء يُلقِينَ على رُؤوسهن وووجوههنَّ من جلابيبهن، والجلبابُ : هو المقنعةُ التي تسترُ بها المرأة ما يَظْهَرُ من العنُق والصدر، وهي الملاءةُ التي تشتمل بها المرأةُ.
قال المفسِّرون : يُغطِّين رؤُوسَهن ووجوههن إلا عَيناً واحدة. وظاهرُ الآية يقتضي أنْ يكُنَّ مأمورات بالسَّتر التام عند الخروجِ إلى الطُّرق، فعليهن أن يَستَتِرْنَ إلا بمقدار ما يعرفنَ به الطريق.
وقولهُ تعالى :﴿ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾، معناه : ذلك أقربُ أنْ يعرِفن الحرائرَ من الإماءِ فلا يؤذِي الحرائر ؛ لأن الناسَ كانوا يومئذٍ يُمازحون الإماءَ ولا يمازحون الحرائرَ، وكان المنافقون يمازحون الحرائرَ، فإذا قيلَ لهم في ذلك، قالوا : حسِبنا أنَّهن إماءٌ. فأمرَ اللهُ الحرائرَ بهذا النوعِ من السَّتر قطعاً لأعذار المنافقين.
وعن عُمر رضي الله عنه : أنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ الإمَاءَ وَيَقُولُ :(اكْشِفْنَ رُؤُوسَكُنَّ وَلاَ تتَشَبَّهْنَ بالْحَرَائِرِ). ومرَّت جاريةٌ بعُمر رضي الله عنه متقنِّعة، فعَلاَها بالدرَّة وقال :(يَا لُكَاعُ، أتَتَشَبَّهِينَ بالْحَرَائِرِ، ألْقِي الْقِنَاعَ).
ويقالُ في معنى ذلك :﴿ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ ﴾ أي أقربُ إلى أن يُعرفن بالسَّتر والصلاح ؛ فيَيئَسَ منهن فُسَّاق الرِّجال، فلا يطمَعُون فيهن كطمَعِهم فيمن تتبرَّج وتتكشَّف.


الصفحة التالية
Icon