قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ؛ قرأ أهلُ الكوفةِ (صَدَّقَ) بالتشديدِ ؛ أي ظنَّ فيهم ظَنّاً حيثُ قال :﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[ص : ٨٢]﴿ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾[الأعراف : ١٧] فصدَّقَ ظنَّهُ وحقَّقهُ بفعلهِ ذلك واتِّباعِهم إيَّاه. وقرأ الآخَرونَ (صَدَقَ) بالتخفيفِ ؛ أي صَدَقَ عليهم في ظَنِّهِ بهم.
وقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ أي على أهلِ سَبأ، وقال مجاهدُ : عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ إلاَّ مَنْ أطَاعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وهمُ الَّذين قَالَ اللهُ تَعَالَى فيهِم﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾[الاسراء : ٦٥].
وَقِيْلَ : إن إبليسَ لَمَّا وَسْوَسَ إلى آدمَ وعمِلتْ فيه وَسْوَسَتُهُ، طَمِعَ في ذرِّيته ؛ فقال : إنَّهُ مع فضلهِ وعقْلهِ، وعَمِلَتْ فيه وسْوَسَتِي ؛ فكيفَ لا تعملُ في ذرِّيتهِ ؟ فأخبرَ اللهُ في هذه الآيةِ : أنَّ القومَ اتبعُوهُ فصدَّقُوا ظَنَّهُ، إلاَّ طائفةً مِن المؤمنينَ لَم يتَّبعوهُ في شيءٍ.
وَقِيْلَ : إنَّ ابليسَ لَمَّا سألَ النَّظِرَةَ فأَنْظَرَهُ اللهُ تعالى قال : لأَضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأُمَوِّهَنَّهُمْ، ولَم يكن في وقتِ هذه المقالةِ مُستَيقِناً، وإنَّما قالَ ظَنّاً منهُ، فلما اتَّبَعُوهُ وأطاعوهُ صَدَقَ عليهم ما ظَنَّهُ فيهم.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ ؛ أي ما كانَ لأبليسَ عليهم من حُجَّةٍ ولا نَفَاذِ أمْرٍ إلاّ بالتَّزيين والوَسْوَسَةِ. وقَوْلُهُ :﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ﴾ ؛ أي ما كان تُسْلِيْطُنَا إياه عليهم إلاّ لنعلمَ المؤمنينَ مِن الشاكرين.
والمعنى : ما سَلَّطْنَاهُ عليهم إلاّ لنعلمَ إيْمانَ المؤمنِ ظَاهراً وكُفْرَ الكافرِ ظَاهِراً، وقد يذكرُ العلمُ ويراد به الإظهارُ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ ﴾ ؛ أي عالِمٌ بكلِّ شيء مِن الإيْمَانِ وشَكٍّ وغيرِ ذلك.


الصفحة التالية
Icon