قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ﴾ ؛ أي قُل يا مُحَمَّد لكُفَّار مكَّة : مَن يرزُقكم من السَّمواتِ المطرَ، ومِن الأرضِ النباتَ والثمرَ ؟ وإنَّما أمرَ بهذا السُّؤالِ احتِجَاجاً عليهم ؛ لأنَّ الذي يرزقُ هو المستحقُّ للعبادةِ لا غيره، وذلك أنه إذا استفهَمَهم عن الرِّزقِ لَم يُمكِنُهم أن يُبَيِّنُوا رَازقاً غيرَ اللهِ، فيتحيَّرُوا في الجواب فيُؤمَرُ النبيُّ ﷺ بالجواب، فيقولُ لَهم : إنَّ الذي يرزقُكم هو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وتَمَّ الكلامُ.
ثُم أمَرَ بأنْ يُخبرَهم أنَّهم على الضَّلالِ بعبادةِ غيرِ الله تعالى بقولهِ تعالى :﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ ؛ وهذا على وجهِ الإنصَافِ في الحجَّة لاستمالةِ قُلوبهم، كما يقولُ القائلُ من المسَارعِين : أحَدُنا كاذبٌ ؛ وهو يعلمُ أنَّهُ صادقٌ وصاحبهُ كاذبٌ.
والمعنى : مَا نحنُ وأنتم إلاَّ على أمرٍ واحدٍ ؛ أحدُ الفرِيقَين مهتَدٍ والآخرُ ضَالٌّ، فالنبيُّ ﷺ ومَنِ اتَّبَعَهُ على الْهُدَى، ومَن خالفَهُ في ضَلالٍ مُبينٍ.