قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ جَآءَ الْحَقُّ ﴾ ؛ يعني الإيْمَانَ والقُرْآنَ ؛ أي ظَهَرَ الإسلامُ والقُرْآنُ، ﴿ وَمَا يُبْدِىءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ ؛ معناهُ : ذهبَ الباطلُ وزَهِقَ، فلم يَبْقَ له بَقِيَّةٌ يُبدِئُ بها ولا يعيدُ. قال الحسنُ :(الْبَاطِلُ : كُلُّ مَعْبُودٍ سِوَى اللهِ، فَإنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ سِوَى اللهِ لاَ يُبْدِئُ لأَهْلِهِ خَيْراً فِي الدُّنْيَا، وَلاَ يُعِيْدُ بخَيْرِهِ فِي الآخِرَةِ). فقال قتادةُ :(الْبَاطِلُ إبْلِيْسُ ؛ أيْ مَا يَخْلُقُ إبْلِيْسُ أَحَداً وَلاَ يَبْعَثُهُ).
ويجوزُ أن يكون هذا اسْتِفْهَاماً، كأنَّهُ قالَ : وأيُّ شيءٍ يُبدِئُ الباطلُ ؟ وأيُّ شيء يعيدهُ ؟ وعنِ ابنِ مسعودٍِ قال :" دَخَلَ رَسُُولُ اللهِ ﷺ مَكَّةَ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَسُتُّونَ صَنَماً، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بعُودٍ مَعَهُ وَيَقُولُ :" جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيْدُ " أيْ ذهبَ الباطلُ بحيثُ لا يبقَى له بقيَّة، لا إقبالٌ ولا إدبارٌ ولا إبداءٌ ولا إعادة كما قَالَ تَعَالَى﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ﴾[الأنبياء : ١٨]. ويقالُ : فلانٌ ظهرَتْ عليه الحجَّة، فما يُبدِئُ وما يعيدُ، ومَا يحل وما يَمرُّ.