﴿ الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ؛ أي خالِقُهما، مُبتَدِئاً من غيرِ مثالٍ سبقَ، قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :(مَا كُنْتُ أعْرِفُ مَا مَعْنَى فَاطِرِ حَتَّى اخْتَصَمَ إلَيَّ أعْرَابيَّانِ فِي بئْرٍ، فَقَالَ أحَدُهُمَا : أنَا فَطَرْتُهَا ؛ أيْ بَدَأتُهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً ﴾ ؛ قال بعضُهم : أرادَ به بالملائكةَ كلَّهم، فإنَّهم كلُّهم رسُلُ اللهِ بعضُهم إلى بعضٍ وبعضُهم إلى الإنسِ، وقالَ بعضُهم : أرادَ بذلك جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ وملَكُ الموتِ والحفَظَةَ، يرسلُهم إلى النبيِّين وإلى ما شاءَ من الأُمور.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أُوْلِي أَجْنِحَةٍ ﴾ ؛ صفةُ الملائكةِ أي ذوي أجنحةٍ، ﴿ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾، منهم مَن له جَناحَان، ومنهم مَن له ثلاثةٌ، ومنهم من له أربعةٌ، اختارَهم الله تعالى لرِسالَتهِ من حيث عَلِمَ أنَّهم لا يُبدِّلون.
وقولهُ تعالى :﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ ﴾ ؛ أي يزيدُ في أجنحةِ الملائكة ما يشاءُ، فمِنهُم من له مائةُ ألفِ جَناحٍ، ومنهم من له أكثرُ، وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ؛ قال :" رَأى النَّبيُّ ﷺ جِبْرِيلَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ ".
وعن ابنِ شِهَابٍ قال :" سَأَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أنْ يَتَرَاءَى لَهُ فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : إنَّكَ لَنْ تُطِيقَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ :" إنِّي أُحِبُّ أنْ تَفْعَلَ " فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلَى الْمُصَلَّى فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ، فَغَشِيَ عَلَى النَّبيِّ ﷺ حِينَ رَآهُ، ثُمَّ أفَاقَ وَجِبْرِيلُ مُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَاضِعٌ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى صَدْرهِ وَالأُخْرَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ. فَقَالَ النَّبيُّ ﷺ :" سُبْحَانَ اللهِ مَا كُنْتُ أرَى شَيْئاً مِنَ الْخَلْقِ هَكَذا " فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام : كَيْفَ لَوْ رَأيْتَ إسْرَافِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! لَهُ اثْنَا عَشَرَ جَنَاحاً، جَنَاحٌ بالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ بالْمَغْرِب وَالْعَرْضُ عَلَى كَاهِلِهِ ".
وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ :(إنَّ للهِ تَعَالَى مَلَكاً يَسَعُ الْبحَارَ كُلُّهَا فِي نَقْرَةِ إبْهَامِهِ). وَقِيْلَ : معنى قولهِ ﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ ﴾ يعني حُسنَ الصَّوتِ، كذلك قال الزهريُّ، وقال قتادةُ :(هِيَ الْمَلاَحَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ وَالشَّعْرِ الْحَسَنِ وَالْوَجْهِ الْحَسَنِ وَالْخَطِّ الْحَسَنِ).
وقولهُ تعالى ﴿ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ في موضعِ خفضٍ ؛ لأنه لا يتصرَّفُ. وقولهُ تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ؛ أي قادرٌ على ما يزيدُ على الزيادةِ والنُّقصانِ.