قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ ؛ أي لا تحملُ يومَ القيامةِ حمل حاملةٍ أُخرى ؛ أي لا تؤخذُ نفسٌ بذنب غيرِها، ﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ﴾ ؛ بالذُّنوب، ﴿ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾، إلى أن يُحمَلَ عنها شيءٌ من ذنوبها لا تُحمَلُ مِن ذنوبها شيءٌ، ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾، ولو كانت المدعوَّةُ ذاتَ قرابةٍ من الداعيةِ لِمَا في ذلك مِن غِلَطِ حملِ الآثام، ولو تحمَّلتْهُ لا يُقبَلُ حملها ؛ لأن كلَّ نفسٍ بما كسبَتْ رهينةٌ، فلا يؤخَذُ أحدٌ بذنب غيرهِ.
وسُئل الحسنُ بن الفضلِ عن الجمعِ بين هذه الآيةِ وبين قولهِ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾[العنكبوت : ١٣] فقالَ (قَوْلُهُ ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ يَعْنِي طَوْعاً، وَقَوْلُهُ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾[العنكبوت : ١٣] يَعْنِي كَرْهاً). قال ابنُ عبَّاس : في قولهِ ﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ قال :(يَقُولُ الأَبُ وَالأُمُّ : يَا بُنَيَّ احْمِلْ عَنِّي، فَيَقُولُ : حَسْبي مَا عَلَيَّ).
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ ؛ يقولُ : إنما ينتفعُ بإنذارِكَ ووَعْظِكَ الذين يُطيعون ربَّهم في السرِّ، ﴿ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ المفروضةَ، ولأن مَن خَشِيَ اللهَ واجتنبَ المعاصي في السرِّ مِن خشيةِ الله تعالى، اجتنبَها لا محالةَ في العَلانيةِ.
ويقال : إنَّ الخشيةَ في السرِّ، والإقدامَ على الطاعةِ في السرِّ، واجتنابَ المعصيةِ في السرِّ، أعظمُ عندَ اللهِ ثواباً، كما قالَ النبيُّ ﷺ :" مَا تَقَرَّبَ امْرِئٌ بشَيْءٍ أفْضَلَ مِنْ سُجُودٍ خَفِيٍّ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ " وأما عطفُ الماضِي في قولهِ تعالى ﴿ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ﴾ على المستقبَلِ في قولهِ ﴿ يَخْشَوْنَ ﴾، ففائدةُ ذلك أنَّ وجوبَ خشيةِ الله لا تختصُّ بزمانٍ دون زمانٍ ولا بمكان دون مكانٍ، ووجوبُ إقامةِ الصَّلاة يختصُّ ببعضِ الأوقاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ﴾ ؛ أي ومَن تطَهَّرَ من دَنَسِ الذُّنوب والشِّركِ ليكون عند ربه زكيّاً، فإن منفعةَ تطَهُّرهِ راجعةٌ إلى نفسهِ، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ ؛ أي إليه يرجعُ الخلق كلُّهم في الآخرةِ، ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ ؛ يعني الْمُشرِكُ والمؤمنُ، ﴿ وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ ﴾ ؛ أي ولا الشِّركُ ولا الضَّلالُ كالنور والهدى والإيمان.


الصفحة التالية
Icon