قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَـانُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾
والقصَّةُ : أنَّ عيسَى عليه السلام لَمَّا بعثَ الرسولَين إلى أنطاكيَّة وقَرُبَا من المدينةِ، وجَدَا شيخاً كَبيراً يرعَى غُنَيمَاتٍ له وهو حبيبُ النجَّار فسَلَّما عليه، فقالَ لَهما : مَن أنتُما ؟ قالاَ : رسُولاَ عيسَى عليه السلام ندعُوكم إلى عبادةِ الله تعالى، قالَ : هل معَكُما آيةٌ ؟ قالاَ : نَعَمْ ؛ نَشفِي المريضَ ونُبرِئُ الأكْمَهَ وَالأبرصَ بإذنِ الله تعالى. فقالَ الشيخُ : إنَّ لِي إبناً مَريضاً صاحبَ فِرَاشٍ منذُ سِنينَ، قالاَ : فَانطَلِقْ بنا إليهِ.
فانطلقَ بهما إليه، فمَسَحا ابنَهُ فقامَ من ساعتهِ صَحيحاً بإذنِ الله تعالى. ففشَا الخبرُ في المدينةِ، وشفَى اللهُ على أيدِيهما كَثيراً من المرضَى، وآمَنَ حبيبُ النجَّار، وجعلَ يعبدُ اللهَ تعالى في غار جَبَلٍ في أبعدِ أطرافِ المدينة.
فسمعَ الملِكُ بخبرِ هذين الرَّسولَين، وكان يعبدُ الأصنامَ، فدعَا لَهُما فأتياهُ، فقالَ لَهما : مَن أنتُما ؟ قالاَ : رسولاَ عيسَى عليه السلام ندعُوكَ إلى عبادةِ الله تعالى، قال : وما آيتُكما ؟ فقالاَ : نُبرِئُ الأكمَهَ والأبرصَ، فغَضِبَ الملِكُ وأمرَ بهما فحُبسَا، وجُلِدَ كلُّ واحدٍ منهما مائةَ جلدةٍ.
فلمَّا كُذِّبَ الرسُولاَنِ، بعثَ عيسى رسُولاً ثالثاً يقالُ له : شَمعون المصفِّي على إثرِهما لينصُرَهما، فدخلَ شمعونُ البلدَ متنكِّراً، وجعلَ يعاشِرُ حاشيتَهُ حتى أفشَوا به، فرُفِعَ خبرهُ الى الملِكِ فدعاهُ فأكرمَهُ وأنِسَ بهِ. فقالَ له ذاتَ يومٍ : أيُّها الملِكُ ؛ بلَغَني أنَّكَ حبستَ رجُلَين في السِّجن وضَربتَهُما حين دعَياكَ الى دينٍ غيرِ دِينكَ، فهل كلَّمْتَهما وسمعتَ قولَهما ؟ قالَ : لاَ، قالَ : فإنْ رأى الملِكُ أن يدعوَهُما ويسمعَ قولهما حتى يطَّلِعَ على ما عندهما.
فدعاهُما الملِكُ، فقالَ لهما شمعونُ : مَن أرسلَكُما ؟ قالاَ : اللهُ الذي خلقَ كلَّ شيءٍ وليس له شريكٌ. فقالَ لهما شمعون : صِفَاهُ وأوجِزَا، فقالاَ : إنه يفعلُ ما يشاءُ ويحكمُ ما يريد. قال شمعونُ : وما آيَتُكما ؟ قَالاَ : ما تَتمَنَّاهُ.
فأمرَ الملِكُ حتى جَاؤُا بغُلامٍ مطمُوسِ العَينَينِ، موضعُ العينين كلٌّ لجِهَةٍ، فمَا زالاَ يدعُوَان اللهَ حتى انشقَّ موضعُ البصرِ، ثم أخذا بَندُوقَتَيْنِ فوُضِعَتا في الحدَقَتَين، فصارَتا مُقْلَتَيْنِ يبصرُ بهما، فعَجِبَ الملِكُ من ذلك.
فقال شمعونُ للملِك : إنْ سألتَ إلَهكَ أن يصنعَ مثل هذا، فصَنَعَهُ كان لكَ ولآلهتكَ الشرفُ. فقال الملِكُ : ليس لِي عَنْكَ سِرُّ أُسِرُّه إليك : إنَّ إلَهنا الذي نعبده لا يسمعُ ولا يبصر ولا ينفعُ.
ثم قالَ للمرسُولِين : إنَّ هنا مَيِّتاً ماتَ منذُ سبعةِ أيَّام، فلم أدفِنْهُ وأخَّرتُه حتى يرجعَ أبوهُ، وكان أبوهُ غائباً، فإن قَدِرَ إلَهُكما على إحيائهِ آمنتُ بهِ.


الصفحة التالية
Icon