قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ ؛ إن كفارَ مكَّة قالُوا للنبيِّ ﷺ : إنه شاعرٌ، وإنَّ القرآنَ شِعرٌ، فأكذبَهم اللهُ بقولهِ تعالى ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ أي وما يتسهلُّ له ذلك، وما كان يتَّزِنُ له بيتُ شِعرٍ جرَى على لسانهِ مُنكِراً.
قال الحكيمُ :(كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَمَثَّلُ بقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَرْدَاسَ : أتَجْعَلُ نَهْبي وَنَهْبَ الْعُب دِ بَيْنَ الأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَقَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ، فَقَامَ إلَيْهِ أبُو بَكْرٍ وَقَبَّلَ رَأسَهُ وَقَالَ : صَدَقَ اللهُ ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾.
وعن الحسنِ رضي الله عنه :" أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ يَتَمَثَّلُ بهَذا الْبَيْتِ :" كَفَى بالإسْلاَمِ وَالشَّيْب نَاهِياً " فَقَالَ أبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ إنَّمَا قَالَ الشَّاعِرُ (كَفَى الشَّيْبُ وَالإسْلاَمُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً) فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه :﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ﴾ ".
وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ؛ " أنَّهَا سُئِلَتْ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَمَثُّلُ بشَيْءٍ مِنَ الْشِّعْرِ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ الشِّعْرُ أبْغَضَ الْحَدِيثِ إلَيْهِ، وَلَمْ يَتَمَثَّلْ بَيْتاً مِنَ الشِّعْرِ إلاَّ بَيْتَ طُرْفَةَ :" سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّد بالأَخْبَار ". فَقَالَ أبُو بَكْرٍ : لَيْسَ هَذا هَكَذا يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّمَا هُوَ : وَيَأْتِيكَ بالأَخْبَار مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ، فَقَالَ :" إنِّي لَسْتُ بشَاعِرٍ وَمَا يَنْبَغِي لِيَ الشِّعْرُ " ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ ؛ أي ما القرآنُ إلاَّ ذكرٌ وموعظة، فيه الفرائضُ والحدود والأحكامُ، ﴿ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً ﴾ ؛ قرأ نافعُ وابن عامر بالتاءِ، والخطابُ للنبيِّ ﷺ، وقرأ الباقون بالياءِ، يعني ليُنذِرَ القرآنُ مَن كان حيّاً، يعني مُؤمِناً حيَّ القلب، لأن الكافرَ كالميِّتِ في أنه لا يتدبَّرُ ولا يتفكَّرُ، ﴿ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ ؛ أي وتجبُ الحجَّةُ بالقرآنِ على الكافرين.