قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(يَعْنِي النَّفْخَةَ الأُوْلَى ؛ وَهِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ) ﴿ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ ﴾ ؛ أي مَاتُوا من شدَّةِ الخوفِ كقولهِ تعالى﴿ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ ﴾[الزمر : ٦٨]، والمعنى : بَلَغَ منهم الفزعُ إلى أنْ يَمُوتُوا.
وقولهُ :﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(يُرِيْدُ الشُّهَدَاءَ وَهُمْ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبهِمْ يُرْزَقُونَ)، وقال الكلبيُّ ومقاتل :(يَعْنِي جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ وَإسْرَافِيْلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ). وقولهُ تعالى :﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ ؛ أي كلُّ الخلائقِ يَأْتُونَ إلى موضعِ الْجَزَاءِ أذلاَّء صَاغِرِيْنَ.
وأمَّا النفخةُ الثانية فتسَمَّى نفخةُ البَعْثِ، وبينَهما أربعون سَنة. ويقالُ : ينفخُ في الصُّور ثلاثَ نفخاتٍ ؛ الأُولَى : نفخةُ الفَزَعِ، والثانية : نفخةُ الصَّعْقِ وهو الموتُ، والثالثةُ : نفخةُ الْقِيَامِ لرَب العالَمِين.
وعن عبدِالله بنِ عمرَ قال :" جَاءَ أعْرَابيٌّ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ عَنِ الصُّور، فَقَالَ :" هُوَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيْهِ " وقالَ مجاهدُ :(هُوَ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ).
وعن أبي هريرةَ قال : قالَ رسولُ اللهِ ﷺ :" " لَمَّا فَرَغَ اللهُ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إسْرَافِيْلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيْهِ شَاخِصٌ يُبْصِرُ نَحْوَ الْعَرْشِ، يَنْظُرُ مَتَى يُؤْمَرُ " قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الصُّورُ ؟ قَالَ :" هُوَ قَرْنٌ " قُلْتُ : كَيْفَ هُوَ ؟ قَالَ :" عَظِيْمٌ، وَالَّّذِي بَعَثَنِي بالْحَقِّ إنَّ عِظََمَ دَائِرَةٍ فِيهِ كَعِظَمِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. فَيَنْفُخُ ثَلاَثَ نَفْخَاتٍ ؛ النَّفْخَةُ الأُوُلَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالنَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالنَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَب الْعَالَمِيْنَ.
فَيَأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيْلَ بالنَّفْخَةِ الأُوُلَى، فَيَقُولُ لَهُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ مِنْهَا أهْلُ السَّمَواتِ وَأهْلُ الأَرْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ وَيَأْمُرُهُ أنْ يَمُدَّهَا وَيُطِيْلَهَا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللهُ ﴿ وَمَا يَنظُرُ هَـاؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴾، وَيُسَيِّرُ اللهُ الْجِبَالَ فَتَمُرُّ مَرَّ السَّحَاب فَتَكُونُ سَرَاباً، وَتُرَجُّ الأَرْضَُ بأَهْلِهَا رَجّاً، فَتَكُونُ كَالسَّفِيْنَةِ الْمُوثَقَةِ فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الأَمْوَاجُ وَتُلْقِيْهَا الرِّيَاحُ، وَكَالْقِنْدِيْلِ الْمُعَلَّقِ تَرُجُّهُ الرِّيَاحُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴾ فَتَمِيْدُ الأَرْضُ بالنَّاسِ عَلَى ظَهْرِهَا، فَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ ؛ وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ ؛ وَيَشِيْبُ الأَطْفَالُ، وَتِطِيْرُ الشَّيَاطِيْنُ هَاربَةً مِنَ الْفَزَعِ، حَتَّى تَأْتِي الأَقْطَارَ فَتَلْقَاهَا الْمَلاَئِكَةُ فَتَضْرِبُ وَجُوهَهَا فَتَرْجِعُ، وَتُوَلِّي النَّاسُ مُدْبرِيْنَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذلِكَ ؛ إذْ تصَدَّعَتِ الأَرْضُ، وَتَصِيْرُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ، وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَنْشُرُ نُجُومَهَا وَتَكْسِفُ شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا. ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ إسْرَافِيْلَ أنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ " ".
وَقَوْلُهُ تعالى :﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾، قرأ الأعمشُ وحمزة وخلَف (أتَوْهُ) مقصُوراً على الفعل بمعنى جَاءوهُ. وقرأ الباقونَ بالمدِّ وضَمِّ التاء، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ دَاخِرِينَ ﴾ أيْ صَاغِرِيْنَ.


الصفحة التالية
Icon