قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ ؛ وذلك أنَّ أيوبَ كان حلفَ في مرضهِ أن يجلدَ امرأتَهُ مائةَ جلدةٍ، وكان ذلك لشيءٍ كَرِهَهُ منها على ما تقدَّم، فجعلَ الله تَحِلَّةَ يَمِينِهِ أن يأخذ حُزمةً واحدةً فيها مائةُ قضيبٍ فيضرِبُها بهِ. والضِّغْثُ : هو مِلْءُ الكَفِّ من الشجرةِ والحشيشِ والشَّمَاريخِ.
وقولهُ تعالى :﴿ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾ أي لا تَدَعِ الضَّربَ فتَحْنَثُ، وفي هذا دليلٌ على جواز الاحتيالِ بمثل هذه الحِيلَةِ في اليمينِ على الضَّرب، فأما في الحدُودِ فلا يجوزُ الاحتيالُ بمثلِ هذا ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال :﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾[النور : ٢] وهذا نَهْيٌ عن التخفيفِ عن مَن وجبَ عليه الحدُّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ ؛ أي إنَّهُ صَبَرَ على البلاءِ الذي ابتُلي به. فإنْ قِيْلَ : كيف صَبَرَ وهو يقولُ مسَّنِيَ الضُّرُّ ؟ قِيْلَ : إنه لم يَشْكُ إلى مخلوقٍ وإنما شَكَا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حين ألَحَّ عليه الشيطانُ بالوسوسةِ، وخافَ على نفسهِ أن لا يقومَ بطاعةِ الله تعالى، فدعَا اللهَ بعد أن أُذِنَ له في الدُّعاء. والأَوَّابُ : هو الْمُقْبلُ على طاعةِ الله تعالى الرَّاجِعُ إليهِ.