قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ هَـاذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ ؛ أي هذا الثوابُ الذي تقدَّم ذِكرهُ للمتَّقين، ثم ابتدأ الخبرَ عمَّا للطَّاغِينَ فَقَالَ :﴿ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ ﴾ أي الذين طَغَوا على اللهِ وكذبُوا الرُّسلَ وجاوزوا الحدَّ في الكفرِ والمعصية ﴿ لَشَرَّ مَآبٍ ﴾ أي لشَرِّ مرجعٍ ومصير، ثم أخبرَ بذلك فقال :﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ﴾ ؛ أي يلزَمُونَها يومَ القيامةِ، ﴿ فَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ ؛ يُمهِّدُنَّها لأنفسهم، ﴿ هَـاذَا ﴾ العذابُ ﴿ فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ﴾ ؛ أي يقالُ لهم في ذلك اليومِ : هذا حميمٌ وغَسَّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ.
والْحَمِيمُ : الماءُ الحارُّ الذي قد انتَهى حَرُّهُ من طِينَةِ الْخَبَالِ وهي عُصَارَةُ أهْلِ النَّار. والغَسَّاقُ : ما سَالَ من جُلودِ أهلِ النَّار من القَيْحِ والصَّديدِ، مِن قولهم : غَسَقَتْ عينهُ إذا تَصَبَّتْ، والغَسَقَانُ الانْصِبَابُ.
قرأ حمزةُ والكسائي وخلف :(وَغَسَّاقٌ) بالتشديد على معنى أنه يُسَالُ من صَديدِ أهلِ النار. وقرأ الباقون بالتخفيف مصدرُ غَسَقَ يَغْسِقُ إذا سَالَ.
قال الكلبيُّ :(الْغَسَّاقُ هُوَ الزَّمْهَرِيرُ الْبَارِدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى بَرْدُهُ، يُحْرِقُهُمْ ببَرْدِهِ كَمَا تُحْرِقُهُمُ النَّارُ). وقال ابنُ زيد :(هُوَ الْمُنْتَنُّ بلُغَةِ التُّرْكِ وَالطَّخَاريَّةِ وَالْعَمَالِيقِ). وقال الحسنُ :(لاَ أدْري مَا الْغَسَّاقُ وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئاً مِنَ الصَّحَابَةِ إلاَّ أنَّهُ بَعْضُ مَا أُعِدَّ لأَهْلِ النَّار، قَوْمٌ أخْفَواْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ أعْمَالاً فَأَخْفَى اللهُ لَهُمْ عِقَاباً).