قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ ؛ يعني اجتنَبُوا كلَّ ما يُعبَدُ من دون اللهِ، ﴿ وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ ﴾ ؛ أي ورجَعُوا إلى طاعةِ الله بعزَائمِهم وأقوالِهم وأفعالهم، ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى ﴾ ؛ بالجنَّة، ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ ؛ وذلك لأنَّ القرآن يشتملُ على ذكرِ المباحات والطَّاعات، والمباحات حسَنةٌ، والطاعات أحسَنُ، واستحقاقُ الثواب يتعلَّقُ بفعلِ الأحسنِ.
ويجوزُ أن يكون معنى الآيةِ : أن العفوَ عن القصاصِ أحسنُ من استيفاءِ القصاصِ، والصبرُ أحسن من الانتصار، كما قََالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾[البقرة : ٢٣٧]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾[الشورى : ٤٣]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ﴾[البقرة : ١٨٤] فجعلَ الأخذ بأحسنِ الطَّريقَين أعظمُ للصواب.
وَقَِيْلَ : معنى ﴿ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ أي أحسنَهُ وكلُّه حسنٌ، قولهُ تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ﴾ ؛ أي الذين وصَفْنَاهم، ﴿ وَأُوْلَـائِكَ ﴾، هم الذين وفَّقَهم اللهُ للصواب، ﴿ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ ؛ أي ذوُو العقولِ.
وقال عطاءُ عن ابنِ عبَّاس :(أنَّ أبَا بَكْرٍ رضي الله عنه آمَنَ بالنَّبيِّ ﷺ فَصَدَّقَهُ، فَجَاءَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ وَسَعِيدُ، فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بإيْمَانِهِ فآمَنُوا، فَنَزَلَ فِيْهِمْ ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ﴾ أيْ يَسْتَمِعُونَهُ مِنْ أبي بَكْرٍ ﴿ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ أيْ حُسْنَهُ، وَكُلُّهُ حَسَنٌ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ ذوُو الْعُقُولِ).


الصفحة التالية
Icon