قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ ﴾ ؛ قد ذكَرنا أن النفخةَ نفخَتان في قولِ أكثر المفسِّرين وبينَهما أربعون سَنة، فالنفخةُ الأُولى هي نفخةُ الصَّعقِ.
والصعقُ : هو الموتُ بصيحةٍ شديدة حالَّةٍ هَائلةٍ، ومنها الصواعقُ وهي التي تأتِي بشدَّةِ الرَّعدِ، وعن عبدِالله بن عمر قالَ :" سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ الصُّور فَقَالَ :" قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيْهِ فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرَضِ " أي يَمُوتُونَ من الفزَعِ وشدَّة الصوتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ﴾ ؛ يعني الملَكَ الذي ينفخُ في الصُّور، ثم يُمِيتهُ اللهُ بعدَ ذلك، وقال الحسنُ :(يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ وَمَلَكَ الْمُوْتِ). وعن أبي هُريرة رضي الله عنه :" أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ :" مَنِ الَّذِي شَاءَ اللهُ أنْ يَصْعَقَهُمْ ؟ قَالَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ مُتَقَلِّدُونَ أسْيَافَهُمْ حَوْلَ الْعَرْشِ " ".
عن أنسٍ ابن مالك قالَ :" سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْهُمْ وَقَالَ لَهُمْ :" جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ خُذْ نَفْسَ إسْرَافِيلَ، فَيَأْخُذُهَا ؛ ثُمَّ يَقُولُ : خُذْ نَفْسَ مِيكَائِيلَ، فَيَأْخُذُهَا، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُولُ : سُبْحَانَكَ يَا رَب تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ بَقِيَ جِبْرِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مُتْ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، فَيَمُوتُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا جِبْرِيلُ مَنْ بَقِيَ ؟ فَيَقُولُ : تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ بَقِيَ وَجْهُكَ الْبَاقِي الدَّائِمُ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ الْمَيِّتُ الْفَانِي، فَيَقُولُ : يَا جِبْرِيلُ مُتْ، فَيَبْقَى سَاجِداً يَخْفِقُ بجَنَاحَيْهِ فَيَمُوتُ " ".
وقال الضحَّاك :(مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ﴾ هُمْ رُضْوَانُ وَالْحُورُ وَمَالِكُ وَالزَّبَانِيَةُ)، وقالُ قتادة :(اللهُ أعْلَمُ بثَنْيَاهُ). وَقِيْلَ : هم عقاربُ النار وحيَّاتُها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ﴾ ؛ يعني نفخةَ البعثِ، ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ ؛ ماذا يقالُ لهم.


الصفحة التالية
Icon