قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ؛ أي هذه تنْزِيلُ الكتاب من الله العزيزِ العليم بخَلقهِ، وقرأ حم بفتح الميمِ ؛ أي أُتْلُ حَمِيمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ﴾ ؛ أي غافرِ الذنب لِمَن قالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وهم أولياؤهُ وأهلُ طاعتهِ، وقابلِ التَّوب من الشِّركِ، شديدِ العقاب لِمَن ماتَ على الشِّركِ.
والتَّوْبُ : جمعُ التَّوبَةِ، ويجوزُ أن يكون مَصدراً مِن تَابَ يَتُوبُ تَوباً، قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ذِي الطَّوْلِ ﴾ ؛ أي ذِي الغِنَى عمَّن لا يُوحِّدهُ ولا يقولُ : لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ. وقال الكلبيُّ :(ذُو الْفَضْلِ عَلَى عِبَادِهِ وَالْمَانِّ عَلَيْهِمْ)، وقال مجاهدُ :(ذُو السَّعَةِ وَالْغِنَى).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ ؛ أي لا معبودَ للخلقِ سواهُ، ﴿ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ ؛ أي مصيرُ مَن آمَنَ، ومصيرُ مَن لم يؤمِنْ، وعن الحسنِ رضي الله عنه :(أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب رضي الله عنه سَأَلَ عَنْ بَعْضِ إخْوَانِهِ الَّذِينَ كَانُوا بالشَّامِ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ أخِي فُلاَنٌ ؟ وَقَالُوا : ذاكَ أخُو الشَّيْطَانِ يُخَالِطُ أهْلَ الأَشْرَفِيَّةِ وخَالَفَ أصْحَابَهُ. فَقَالَ : إذا خَرَجْتُمْ إلَى الشَّامِ فَآذِنُونِي. فَلَمَّا أرَادُوا الْخُرُوجَ أعْلَمُوهُ، فَكَتَب :
مِنْ عَبْدِاللهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب أمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سَلاَمٌ عَلَيْكَ ؛ فَإنِّي أحْمَدُ إلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ.
أمَّا بَعْدُ : فَإنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ حـم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ... ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾. وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِِتَابُ قَالُواْ لَهُ : اقْرَأ كِتَابَكَ أيُّهَا الرَّجُلُ، فَلَمَّا قَرَأ ﴿ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ قَالَ : عَلِيمٌ بمَا أصْنَعُ، ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ ﴾ إن اسْتَغْفَرْتُ غَفَرَ لِي، و ﴿ وَقَابِلِ التَّوْبِ ﴾ إنْ أنَا تُبْتُ لِيَقْبَلَ تَوْبَتِي، ﴿ شَدِيدِ الْعِقَابِ ﴾ إنْ لَمْ أفْعَلْ عَاقَبَنِي ﴿ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾. ثُمَّ قَالَ : صَدَقَ اللهُ وَنَصَحَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَأَقْبَلَ بطَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ إلَى أنْ مَاتَ.
فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ أمْرُهُ، قَالَ : هَكَذا فَاصْنَعُوا ؛ إذا رَأيْتُمْ أخَاكُمْ نَزَلَ فَشَدِّدُوهُ وَوَفِّقُوهُ، وَادْعُوا اللهَ لَهُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَكُونُوا أعْوَاناً لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ).


الصفحة التالية
Icon