وقوله تعالى :﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ﴾ ؛ أي هذا أكبرُ من خلقِ بغير عَمَدٍ وجريانِ الأفلاكِ بالكواكب فيه أعظمُ في النفسِ وأهْوَلُ في الصدر من خلقِ الناس، ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْـثَرَ النَّاسِ ﴾ ؛ الكفار، ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ؛ حين لا يستدُّلون بذلك على توحيدِ خالِقِهما وقدرتهِ على ما هو أعظمُ من خلقِ الدجَّالِ، وعلى أنْ يمنِعَ المسلمين من غَلَبَتِهِ عليهم.
وعن رسولِ الله ﷺ أنه قال :" إنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلاَثُ سِنِينَ، أوَّلُ سَنَةٍ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَ قَطْرِهَا وَالأَرْضُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، وَالثَّانِيَةُ تُمْسِكُ ثُلُثَي قَطْرِهَا وَالأَرْضُ ثُلُثَي نَبَاتِهَا، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ تُمْسِكُ السَّمَاءُ مَا فِيْهَا وَالأَرْضُ وَمَا فِيْهَا، وَيَهْلَكُ كُلُّ ذاتِ ظِلْفٍ وَضِرْسٍ ".
وعن أبي أُمامةَ الباهليِّ قال :" خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يَوْمٍ، فَكَانَ أكْثَرُ خُطْبَتِهِ أنْ يُحَدِّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ وَيُحَذِّرَنَا، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ :" أيُّهَا النَّاسُ ؛ إنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ أعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، إنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبيّاً إلاَّ حَذرَ أُمَّتَهُ مِنْهُ، وَأَنَا آخِرُ الأَنْبِيَاءِ وَأنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ، وَهُوَ خَارجٌ فِيكُمْ لاَ مَحَالَةَ، فَإنْ يَخْرُجْ وَأنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإنْ يَخْرُجْ بَعْدِي فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللهُ تَعَالَى خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.
أنَّهُ يَخْرُجُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ يَعِيثُ يَمِيناً وَيَعِيثُ شِمَالاً، فَيَا عِبَادَ اللهِ اثْبُتُوا، فَإنَّهُ يَبْدَأ فَيَقُولُ : أنَا نَبيٌّ وَلاَ نَبيَّ بَعْدِي! ثُمَّ يُثْنِي وَيَقُولُ : أنَا رَبُّكُمْ! وَلَنْ تَرَوا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا، وَإنَّهُ أعْوَرٌ وَلَيْسَ رَبُّكُمْ بأَعْوَرَ، وَإنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَتْفُلْ فِي وَجْهِهِ.
وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أنَّ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَمَنِ ابْتُلِيَ بنَارهِ فَلْيَقْرَأ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ وَيَسْتَغِيثُ باللهِ، فَتَكُونُ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاَماً، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أنَّ مَعَهُ شَيَاطِين يَتَمَثَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ إنْسَانٍ، فَيَأْتِي الأَعْرَابيُّ فَيَقُولُ لَهُ : إذا بَعَثْتُ أبَاكَ وَأُمَّكَ وَأهْلَكَ تَشْهَدُ أنِّي رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيَاطِينُهُ عَلَى صَوْتِ أبيهِ وَأُمِّهِ، فَيَقُولانِ لَهُ : يَا بُنَيَّ اتَّبعْهُ فَإنَّهُ رَبُّكَ، وَمِنْ فِتْنَتِهِ أنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا، ثُمَّ يُحْييهَا اللهُ بَعْدَ ذلِكَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : انْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذا، فَإنِّي بَعَثْتُهُ الآنَ وَيَزْعُمُ أنَّ لَهُ رَبّاً غَيْرِي " ".
قال مقاتلُ :(إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُسَلَّطَ عَلَيْهِ الدَّجَّالُ رَجُلٌ مِنْ جَشْعَم، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى، فَيَقُولُ لَهُ الدَّجَّالُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : اللهُ رَبي وَإنَّكَ الدَّجَّالُ عَدُوُّ اللهِ).
[وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ يَقُولُ لِلأعْرَابيِّ : أرَأيْتَ إنْ بَعَثْتُ لَكَ أبيكَ وَأُمَّكَ أتَشْهَدُ أنِّي رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيَاطِينُهُ عَلَى صُورَةِ أبيهِ وَأُمِّهِ. وإنَّ أيَّامَهُ أرْبَعِينَ يَوْماً، فَيَوْمٌ كَالسَّنَةِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذلِكَ، وَيَوْمٌ كَالشَّهْرِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذلِكَ، وَيَوْمٌ كَالجُمُعَةِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذلِكَ، وَآخِرُ أيَّامِهِ كَالشُّرْفَةِ، فَيُصْبحُ الرَّجُلُ ببَاب الْمَدِينَةِ فَلاَ يَبْلِغُ بَابَهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ].


الصفحة التالية
Icon