قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا ﴾ ؛ أي وخَلَقَ فيها جِبَالاً ثَوَابتَ أوتَاداً لَها في يومِ الثَّلاثاء، ﴿ وَبَارَكَ فِيهَا ﴾ ؛ أي بَارَكَ في الأرضِ بالسَّماء والشجرِ والنبات والثمار، ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ ؛ أي معايشَها، قدَّرَ اللهُ لكلِّ حيوانٍ ما يكفيهِ بحسبَ الحاجةِ، وجعلَ في كلِّ أرضٍ معيشةً ليست في غيرِها لتعايَشُوا وتَتَّجِرُوا.
وكان تقديرُ الأقواتِ في يومِ الأربعاءِ، فتَمَّ خلقُ الأرضِ بما فيها في أربعةِ أيَّام، ولو أرادَ اللهُ أن يخلُقَها في لحظةٍ واحدة لفَعَلَ وقَدِرَ، ولكنه خلقَها في ستَّة أيامٍ لأنه تعالى حَلِيْمٌ ذُو أنَاةٍ، أحبَّ أن يُعَلِّمَ الخلقَ الأَنَاةَ في الأمور.
وقال الحسنُ :(مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا ﴾ أيْ قَسَّمَ الأَرْضَ أرْزَاقَ الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ)، وقال الكلبيُّ :(الْخُبْزُ لأَهْلِ قُطْرٍ ؛ وَالثَّمَرُ لأَهْلِ قُطْرٍ ؛ وَالذرَّةُ لأَهْلِ قُطْرٍ ؛ وَالسَّمَكُ لأَهْلِ قُطْرٍ، جَعَلَ اللهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا لَمْ يَجْعَلْ فِي الأُخْرَى ؛ لِيَعِيْشَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بالتِّجَارَةِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ ؛ رفعَهُ أبو جعفرٍ على الابتداءِ ؛ أي هُنَّ سَوَاءٌ، وخفضَهُ الحسنُ ويعقوب نعتُ أربعةِ أيَّام، ونصبَهُ الباقون على معنى : اسْتَوَتْ سَوَاءً للسَّائِلِيْنَ، واستواءً يعني على المصدر كما يقالُ : في أربعةِ أيَّام تَماماً. ومعناهُ : مَن سألَ عنه فهكذا الأمرُ.
وقال السديُّ :(سَوَاءً لاَ زيَادَةَ وَلاَ نُقْصَانَ جَوَاباً لِمَنْ سَأَلَ فِي كَمْ خُلِقَتِ الأَرْضُ وَالأَقْوَاتُ، فَيُقَالُ : أرْبَعَةِ أيَّامٍ سَوَاءً). و(لِلسَّائِلِيْنَ) ههنا هُم اليهودُ، سألُوا النبيَّ ﷺ عن مدَّة خَلْقِ السَّموات والأرضِ، ويجوزُ قولهُ ﴿ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ عائداً على تقديرِ الأقواتِ، كأنه قال : لكلِّ مُحتاجٍ إلى القُوتِ.


الصفحة التالية
Icon