قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ ﴾ ؛ أي وإمَّا يلحقنَّكَ مِن الشيطانِ وَسْوَسَةٌ عند هفوةِ غيرِك وعندما يدعُو بكَ إلى معصيةِ الله فتصرِفُكَ الوسوسةُ عن الاحتمالِ، ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾ ؛ أي اعْتَصِمْ باللهِ من شرِّ الشَّيطانِ، امْضِ على حُكْمِكَ، ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ ؛ لِمقالَةِ أعدائِكَ، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ ؛ بهم وبمُجارَاتِهم.
ثُم ذكرَ اللهُ علاماتِ توحيدهِ ودلائل قُدرتهِ ؛ فقال :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الَّيلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ ؛ أي ومن آياتهِ الدَّالةِ على رُبُوبيَّتِهِ ووَحدَانِيَّتهِ الليلُ والنهارُ بما فيهما من المنافعِ والمقاصدِ، والشمسُ والقمرُ بما فيهما من البدائعِ، ﴿ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ﴾ ؛ أي لا تَعبدُوا الشمسَ والقمرَ، واعبدُوا اللهَ الذي خَلَقَهُنَّ، ﴿ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ ؛ أي إنْ كُنتم تُرِيدونَ بعبادةِ الشَّمس والقمرِ عبادةَ اللهِ.
وذلك أنَّ قَوماً من الكفَّار يَسجُدونَ لَهما ويزعمونَ أنَّهم يتقرَّبون بذلكَ إلى اللهِ تعالى، فقيلَ لَهم : إنْ كنتم تريدون بذلكَ عبادةَ الله تعالى، فالسُّجود لِخالِقِهما أولَى من السُّجود لَهما.
فإنْ قِيْلَ : ما معنى قولهِ ﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ والقمرُ مذكَّرٌ والشمسُ مؤنَّثة، والمذكَّرُ والمؤنث إذا اجتمَعا غلبَ المذكَّر ؟ قُلْنَا : إنَّ قوله (خَلَقَهُنَّ) راجعٌ إلى الآياتِ التي سَبَقَ ذكرُها في أوَّلِ هذه الآيةِ من الليل والنهار والشَّمسِ والقمر، ويكون ضميرُ ما لا يعقلُ على لفظ التأنيثِ كما يقالُ : هذه كِبَاشُ ذُبحْنَ وذُبحَتْ.


الصفحة التالية
Icon