قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ معناه واذكُر يا مُحَمَّدُ إذ قالَ إبراهيمُ لأبيهِ وقومهِ حين خرجَ من السِّرب وهو ابنُ سبعَ عشرة سنةً، رأى أباهُ وقومَهُ يعبدون الأصنامَ، فقالَ لَهم : إنِّي بَرَاءٌ مما تعبُدون من دونِ الله تعالى، ﴿ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾، إلاَّ مِن الذي خلَقَني فإنه سيحفَظُني ويُرشِدُني لدينهِ وطاعته.
وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ﴾ ؛ أي وجعلَ براءتَهُ عن عبادةِ غير الله وهي كلمةُ التوحيدِ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ باقيةً في عَقِبهِ لكي يرجِعُوا إلى التوحيدِ، ويدعُوا الخلقَ إليهِ، فلا يزالُ في ولَدهِ مَن يوحِّدُ اللهَ تعالى. ومعنى الآيةِ : وجعلَها كلمةً باقيةً في ذريَّة إبراهيم ونَسلهِ، فلا يزالُ في ذُريَّتهِ مَن يعبدُ اللهَ ويوحِّدهُ، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ ؛ أي لعَلَّ أهلَ مكَّة يتَّبعون هذا الدِّينَ ويرجعون إلى دِينكَ دينِ إبراهيمَ، إذ كانوا مِن وَلدهِ. وقال السديُّ :(لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ وَيَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ إلَى عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى).
ثُم ذكرَ نِعمَتهُ على قريشٍ فقالَ :﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هَـاؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ ﴾ ؛ يعني المشركين متَّعْتُهم بأموالِهم وأنفُسِهم وأنواعِ النِّعَمِ، ولم أُعاجِلْهُم بعقوبةِ كُفرِهم، بل أمهَلتُهم زيادةً في الْحُجَّةِ وقطعاً للمعذرةِ، ﴿ حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ ﴾ ؛ أي القرآنُ، ﴿ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾ ؛ للحُجَجِ وهو النبيُّ ﷺ بَيَّنَ لَهم الأحكامَ والدينَ.
وكان من حقِّ الإنعَامِ أن يُطيعوا الرسولَ بإجابتهِ، فلم يُجيبوه وعَصَوا، وهو قولهُ :﴿ وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ قَالُواْ هَـاذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ﴾ ؛ أي لما جاءَ الرسولُ والقرآن، نَسَبوا القرآنَ إلى السِّحر وجحَدُوا بهِ.


الصفحة التالية
Icon