قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً ﴾ ؛ أي مَن يُعرِضُ عن ذكرِ الرَّحمنِ نُسَببْ له شَيطاناً يُضِلُّهُ، يجعلُ ذلك جزاؤه، ﴿ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ ؛ لا يفارقهُ في الدُّنيا والآخرةِ، يقالُ : عَشِيَ إلى النار باللَّيل إذا تنَوَّرَها فقَصَدَها، وعَشِيَ عنها إذا أعرضَ عنها قاصداً لغيرِها، ونظيرُ هذا مالَ إليه ومالَ عنهُ، قال الشاعرُ : مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مَوْقِدِومَن قرأ (يَعْشَ) بفتح الشينِ وهو من عَشَى يَعشَى إذا لم يُبصِرْ بالليلِ، والمعنى : ومَن يَعْمَ عن ذكرِ الرَّحمنِ.
قال الزجَّاجُ :(مَعْنَى الآيَةِ : وَمَنْ يُعْرِضْ عَنِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيْهِ مِنَ الْحِكْمَةِ إلَى أبَاطِيلِ الْمُضِلِّينَ، نُعَاقِبْهُ بشَيْطَانٍ نُقَيِّضُهُ لَهُ حَتَّى يُضِلَّهُ وَيُلاَزمَهُ قَرِيناً لَهُ فَلاَ يَهْتَدِي، مُجَازَاةً لَهُ حِينَ آثَرَ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبينِ).
وقولهُ تعالى :﴿ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ أي صاحبٌ يُزَيِّنُ له العَمَى ويُخَيِّلُ إليه أنَّهُ على الْهُدَى وهو على الضَّلالة، وذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ ؛ معناهُ : وإنَّ الشياطين ليمنعونَهم عن سبيلِ الهدى، ﴿ وَيَحْسَبُونَ ﴾ ؛ الكفارُ، ﴿ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾.