قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ ؛ ثم اختلَفُوا، والمرادُ بشاهدٍ في هذه الآيةِ فقالَ مَن ذهبَ إلى أنَّ هذه السُّورةَ مكِّيةٌ كلُّها : أنَّ المرادَ به يَامِينَ بن يامين، فإنَّ عبدَالله بنَ سلام مِمَّن أسلمَ بالمدينةِ، وهذا شاهدٌ قَدِمَ بمكَّة فآمنَ. وَقِيْلَ : إنَّ المرادَ بالشاهدِ مُوسَى عليه السلام كان مِن بني إسرائيلَ، وكان شهادتهُ للنبيِّ ﷺ في التوراةِ من تصديقِ القُرآنِ، ومثل القرآن هو التوراةُ.
وقال ابنُ عبَّاس :(هُوَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ)، رُوي :" أنَّهُ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، فأتَى النَّبيَّ عليه السلام لَيْلاً وشَهِدَ أنَّ نَعتَهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ فَآمَنَ بهِ، ثم قالَ : أخْبئْنِي فِي الْبَيْتِ، ثُمَّ أحْضِرِ الْيَهُودَ سَلْهُمْ عَنِّي، فَإنَّهُمْ سَيَذْكُرُونَنِي عِنْدَكَ ويُخْبرُونَكَ بمَكَانِي مِنَ الْعِلْمِ.
فَفَعَلَ ذلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَاسْتَخْبَرَ الْيَهُودَ وَقَالَ لَهُمْ :" مَا تَقُولُونَ فِي عَبْدِاللهِ ابْنِ سَلاَمٍ ؟ " فَقَالُواْ : عَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَبَقِيَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَّا. فَقَالَ ﷺ :" أرَأيْتُمْ إنْ آمَنَ بي تُؤْمِنُوا أنْتُمْ ؟ " فَقَالُواْ : إنَّهُ لاَ يَفْعَلُ ذلِكَ.
فَكَرَّرَ عَلَيْهِمْ النَّبيُّ ﷺ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى قَالُواْ : نَعَمْ، فَخَرَجَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ وَقَالَ لَهُمْ : ألَمْ يَأْتِكُمْ فِي التَّوْرَاةِ عَنْ مُوسَى عليه السلام : إذا رَأيْتُمْ مُحَمَّداً فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَآمِنْواْ بهِ ؟ ثُمَّ جَعَلَ يُوقِفُهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهَا فِيْهَا ذِكْرُ النَّبيِّ ﷺ وَصِفَتُهُ، وَكَانُواْ يَسْتَكْبرُونَ وَيَجْحَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبيِّ ﷺ : أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنَّكَ رَسُولُ اللهِ، أرْسَلَكَ بالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ. فَقَالُواْ : مَا كُنْتَ أهْلاً لِمَا أثْنَيْنَا عَلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ كُنْتَ غَائِباً فَكَرِهْنَا أنْ نغْتَابَكَ ".
ومعنى الآيةِ : أخبروني ماذا تقُولون إنْ كان القرآنُ من عندِ الله، أنزلَهُ وكفرتُم أيُّها المشرِكون، ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ عبدُاللهِ بن سلامٍ على صدقِ النبيِّ ﷺ في نبُوَّتهِ ﴿ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ أي عليه أنَّهُ من عندِ الله، والْمِثْلُ صلةٌ. وقولهُ تعالى :﴿ فَآمَنَ ﴾ يعني الشاهدُ واستكبَرتُم أنتم عن الإيمانِ به، وجوابُ (إنْ) محذوفٌ ؛ وتقديرهُ : أليسَ قد ظَلمهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ ؛ وَقِيْلَ : تقديرُ الجواب :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ أفَأَمِنُوا عقوبةَ اللهِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ يعني المعانِدين بعدَ الوضُوحِ والبيانِ يَحرِمُهم اللهُ الهدايةَ.