قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾ ؛ أي قالَ الكفارُ مِن بني أسَدٍ وغطَفان وأشجَعَ لِمَن أسلمَ من جُهينَةَ ومُزَيْنَةَ وأسْلمَ وغِفَارٍ :(لَوْ كَانَ هَذا) يعنُونَ القرآنَ (خَيْراً) مما نحنُ عليهِ لَمَا سبقَ رعاةُ الشاةِ ونحن أرفعُ منهم، ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ ﴾ ؛ مع ظُهورهِ ووضُوحهِ، ﴿ فَسَيَقُولُونَ ﴾ مع ذلك، ﴿ هَـاذَآ ﴾ ؛ القرآنُ ؛ ﴿ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ ؛ كذِبٌ متقَادِمٌ أتَّبعَهُ مُحَمَّدٌ وأحِبَّاؤهُ في عصرهِ.
يقول اللهُ تعالى :﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ﴾ ؛ أي ويشهدُ للقرآن كتابُ موسَى قبلَهُ إمامٌ يُقتدَى ونجاةٌ من العذاب لِمَن آمنَ به، ﴿ وَهَـاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ ﴾ وَهَذَا القرآنُ مُصَدِّقٌ لِمَا في التوراةِ. وقولهُ تعالى :﴿ لِّسَاناً عَرَبِيّاً ﴾ ؛ أي بلسانٍ عربيٍّ تَعقِلونَهُ. ويجوزُ أن يكون منصوباً على الحالِ، ويكون (لِسَاناً) توكيداً، كما يقالُ : جاءَنِي زيدٌ رجلاً صالحاً، يريدُ : جاءَنِي زيدٌ صالحاً، وقال الزجَّاجُ :(قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِمَاماً ﴾ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ) تَقْدِيرُهُ : وَتَقَدَّمَهُ كِتَابُ مُوسَى عليه السلام إمَاماً.
وَفِي الْكَلام محذوفٌ تقديرهُ : إمَاماً ورحمةً فَلَمْ يَهْتَدُوا بهِ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ ﴾ وذلك أنَّ المشرِكين لم يهَتدُوا بالتوراةِ فيترُكوا عبادةَ الأصنامِ ويعرِفُوا منه صفةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثم قالَ تعالى :﴿ وَهَـاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ ﴾ ؛ غيرَ الكُتب التي قبلَهُ ﴿ لِّسَاناً عَرَبِيّاً ﴾ منصوبٌ على الحالِ ؛ أي مصَدِّقٌ لما بين يَدَيهِ عَرَبيّاً. ومعنى قولهِ تعالى :﴿ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً ﴾ أي يُقتدَى بهِ ؛ يعني التوراةَ، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من اللهِ للمؤمنين به ؛ قِيْلَ : القرآنُ.
وعن عروة عن أبيه قالَ :(كَانَتْ زنِّيرَةُ أمْرَأةً ضَعِيفَةَ الْبَصَرِ، فَلَمَّا أسْلَمَتْ كَانَ الأَشْرَافُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ يَسْتَهْزِئُونَ بهَا وَيَقُولُونَ : وَاللهِ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بهِ مُحَمَّدٌ خَيْراً مَا سَبَقَتْنَا إلَيْهِ زنِّيرَةُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيْهَا وَفِي أمْثَالِهَا ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـاذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ أيْ أسَاطيرُ الأَوَّلِينَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ ؛ أي أنزلناهُ لِتُخَوِّفَ، ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني مُشرِكي مكَّة. ومَن قرأ بالياءِ أسندَ الفعلَ إلى الكتاب. وقولهُ تعالى :﴿ وَبُشْرَى ﴾ أي وهو بُشْرَى، ﴿ لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ ؛ الموحِّدين، يعني الكتابَ.