وقولهُ تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ ﴾ ؛ أي وأنذِرهُم يومَ يُعرَضُ كفَّارُ مكَّة على النار ويقالُ لَهم :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ ؛ أي أذهَبتُم أموالَكم، وَقِيْلَ : قوَّتَكم وشبَابَكم في لذاتِكم في الدُّنيا، لا في طلب رضَى اللهِ، بل في وُجوهٍ مُحرَّمَةٍ، وانتقَصتُم بطيِّباتكم في الدُّنيا، ﴿ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾ ؛ (فَـ) ليس لكم، ﴿ فَالْيَوْمَ ﴾ ؛ ههنا حسناتٍ، وإنما ﴿ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ ؛ أي الْهَوَانِ الشديدِ باستكباركم في الأرضِ بالباطلِ، وخُروجِكم من أمرِ الله تعالى إلى المعصيةِ.
وعن ابنِ عبَّاس :" أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : لِلنَّبيِّ ﷺ :(أُدْعُ اللهَ أنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ اللهُ عَلَى فَارسَ وَالرُّومَ وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللهَ تَعَالَى) فَقَالَ ﷺ :" أوَفِي شَكٍّ أنتَ يَا ابْنَ الْخَطَّاب؟! أوْلَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " ".
ورُوي :" أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ :(دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِ حَفْصَةٍ وَإنَّهُ لَمُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، وَإنَّ بَعْضَهُ لَعَلَى التُّرَاب، وَتَحْتَ رَأسِهِ وسَادَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيْفاً، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ أنْتَ نَبيُّ اللهِ وَصَفْوَتُهُ وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ عَلَى سُرُر الذهَب وَفُرُشِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، فَقَالَ ﷺ : يَا عُمَرُ ؛ إنَّ أُوْلَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ وَهِيَ وَشِيكَةُ الانْقِطَاعِ، وَإنَّا أُخِّرَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا " ) ".
وعن سالِم بن عبدِالله بن عمر كان يقولُ :(وَاللهِ مَا نَعْبَأُ بلَذاتِ الْعَيْشِ بأَنْ نَأْمُرَ بصِغَار الْمِعْزَى فَتُسْمَطَ لَنَا، وَنَأْمُرَ بِلبَاب الْحِنْطَةِ فَيُخْبَزُ لَنَا، وَنَأْمُرَ بالنَّبيذِ فَيُنْبَذُ لَنَا، حَتَّى إذا صَارَ مِثْلَ عَيْنِ يَعْقُوبَ أكَلْنَا هَذا وَشَرِبْنَا هَذا، وَلَكِنَّا أرَدْنَا أنْ نَسْتَبْقِيَ طَيِّبَاتِنَا لأَنَّا سَمِعْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَذْكُرُ قَوْماً فَقَالَ ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾.
وعن جابرِ بن عبدِالله رضي الله عنه قالَ :(رَأى عُمَرُ رضي الله عنه فِي يَدَيَّ لَحْماً مُعَلَّقاً فَقَالَ : مَا هَذا يَا جَابرُ ؟ قَالَ : اشْتَهَيْتُ لَحْماً فَاشْتَرَيْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ : وَكُلَّمَا اشْتَهَيْتَ يَا جَابرُ اشْتَرَيْتَ ؟ أمَا تَخَافُ هَذِهِ الآيَةَ ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾.
وعن محمَّد بن مَيسَرة قالَ : قال جابرُ بن عبدِالله :(اشْتَهَى أهْلِي لَحْماً فَشَرَيْتُهُ وَمَرَرْتُ بعُمَرَ، فَقَالَ : مَا هَذا يَا جَابرُ ؟ قُلْتُ : اشْتَهَى أهْلِي اللَّحْمَ فَاشْتَرَيْتُ هَذا اللَّحْمَ بدِرْهَمٍ، فَقَالَ : أوَكُلَّمَا اشْتَهَى أحَدُكُمْ شَيْئاً جَعَلَهُ فِي بَطْنِهِ، أمَا تَخْشَى أنْ تَكُونَ مِنْ أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ﴾ ).
وعن عِمَارَةَ بن القَعْقَاعِ عن أبي زَرعَةَ قالَ :(دَخَلَ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدَ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ يُكَوِّمُ كَعْكاً شَامِيّاً وَيَتَفَوَّقُ لَبَناً حَازراً فَقَالَ : يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أمَرْتَ أنْ يُصْنَعَ لَكَ طَعَامٌ ألْيَنُ مِنْ هَذا ؟ فَقَالَ : يَا ابْنَ فَرْقَد ؛ أتَرَى أحَداً مِنَ الْعَرَب أقْدَرُ عَلَى ذلِكَ مِنِّي ؟ فَقَالَ : مَا أحَدٌ أقْدَرُ عَلَى ذلِكَ مِنْكَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ : سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى عَيَّرَ أقْوَاماً فَقَالَ ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾ وَاللهِ لَوْ شِئْتُ أنْ أكُونَ أصْلَبَكُمْ طَعَاماً وَأحْسَنَكُمْ ثِيَاباً لَفَعَلْتُ، وَلَكِنْ أسْتَبْقِي دُنْيَايَ لآخِرَتِي).