قَوْلُهُ تَعَلَى :﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ ؛ أي صِفَةُ الجنَّة التي وُعِدَ المتَّقون الشركَ والكبائرَ، ﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ ﴾ ؛ أي مُتغيِّر طَعمهُ وريحهُ، يقالُ : آسَنَ الماءُ يَأْسَنُ أُسُونَا وَأسَناً إذا تغيَّرَ، وهو الذي لا يشتهيه مِن نَتَنِهِ فهو آسِنٌ وأسِنٌ، مثلُ حَاذِرٍ وحَذِرٍ. وَقِيْلَ : إن الآسِنَ ما يعرَضُ أن يتغيَّر، والأَسِنُ بالقَصْرِ، ما تغيَّرَ في الحالِ، وقرأ ابنُ كثير (آسِنٍ) بالقصرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ ؛ أي لم يَحْمَضْ كما تَحْمَضُ وتتغيَّرُ ألبانُ الدُّنيا ؛ لأنه لم يخرُجْ من ضُروعِ الأنعامِ، ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ ؛ بخلاف خمرِ الدُّنيا ؛ فإنَّها لا تخلُو من المرارةِ، وعن ما يحدثُ فيها من أنواعِ المرضِ ومن العقوبةِ في الدُّنيا والآخرةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ ؛ أي مُصَفَّى من الأقذار، من العِكْرِ والكَدَر، بخلافِ عسلِ الدُّنيا الذي يكون من بطونِ النَّحل، فإنه لا يخلُو من الشَّعرِ وغيرهِ. قال مقاتلُ :(أنْهَارُ الْجَنَّةِ الْمَذْكُورَةُ تَتَفَجَّرُ مِنَ الْكَوْثَرِ إلَى الْجَنَّةِ). ويقالُ : إنَّها تتفجرُ من تحتِ شجرة طُوبَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ ؛ أي ولَهم في الجنَّة من جميعِ أنواع الثَّمرَاتِ والفواكهِ مما عَلِموهُ وما لَمْ يعلموهُ، ومما سَمعوهُ وما لَمْ يسمعوهُ، ظاهرُها مثلُ باطِنها، لا يخالِطُها قشرٌ ولا رذالٌ ولا نَوَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ ؛ أي ولَهم مع ذلك النعيمِ المقيم مغفرةٌ مِن ربهم لذُنوبهم، فلا يُذكَرُ شيءٌ من معاريضِهم في الجنَّة ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد ستَرَها عليهم فهي بمنْزِلة ما لَمْ يُعمَلْ، ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾ ؛ أي مَن كان في هذا النعيمِ كمَنْ هو خالدٌ في النار ﴿ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً ﴾ شَديدَ الحرِّ تسْتَعرُ عليه جهنَّم منذُ خُلِقت ﴿ فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾ في الجوفِ من شدَّة الحرِّ، والأمعاءُ : جميعُ ما في البطنِ من الحوايَا، واحدُها مِعَاءٌ، كما قالَ تعالى في آيةٍ أُخرى :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾[الحج : ٢٠].
وعن رسولِ اللهِ ﷺ أنه قالَ :" إذا شَرِبَهُ صَاحِبُهُ قَطَّعَ أمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ " وعن محمَّد بن عبدِالله الكاتب قال : قَدِمْتُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا صِرْتُ إلَى طِيزنَابَاذ ذكَرْتُ بَيْتَ أبي نُؤَاسٍ : بطِيزْنابَاذ كَرْمٌ مَا مَرَرْتُ بهِ إلاَّ تَعَجَّبْتُ مِمَّنْ شَرِبَ الْمَاءَفَهَتَفَ بهِ هَاتِفٌ أسْمَعُهُ وَلاَ أرَاهُ : فِي الْجَحِيمِ حَمِيمٌ مَا تَجَرَّعَهُ خَلْـ قٌ إلاَّ مَا بَقِيَ لَهُ بَطْنُ أمْعَاءِ


الصفحة التالية
Icon