قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً ﴾ ؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ ﷺ خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَابَ الْمُنَافِقِينَ فيِ خُطْبَتِهِ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالُواْ لِعَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ : مَاذا قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ السَّاعَةَ ؟ فَقَدْ سَمِعْنَا قَوْلَهُ وَلَمْ نَفْهَمْهُ، كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ سَمَاعَ تَهَاوُنٍ وَاسْتِخْفَافٍ.
والآنِفُ : السَّاعَةُ ؛ مِن قولِكَ : اسْتَأْنَفْتُ الشَّيءَ إذا ابتدأتَهُ، والمعنى : ومِن هؤلاءِ الكفَّار مَن يستمعُ إليك : المنافِقُون يستمِعون قولَكَ فلا يَعُونَهُ ولا يفهمونَهُ تَهَاوُناً منهم بذلكَ وتثَاقُلاً، فإذا خرَجُوا قالوا للَّذين أوُتُوا العلمَ من الصحابةِ : مذا قالَ مُحَمَّدٌ الآنَ، وذلك أنَّهم سأَلُوا ابنَ مسعودٍ وابنَ عبَّاس عمَّا قال النبيُّ ﷺ استهزاءً وتَهاوُناً وهذا كالرجُلِ يستمعُ إلى غيرِ سماعٍ استخفافاً، ثم يقولُ بعدَ ذلك لأصحابهِ : أليس الذي كانَ يقولُ فلانٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ ؛ أي خَتَمَ عليها بالكُفرِ فلا يعقِلُون الإيمانَ، والطبعُ هو الْخَتْمُ على القلب بسِمَةٍ تعلَمُها الملائكةُ بأنَّه جاحدٌ لا يفلحُ أبداً، ﴿ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ ؛ في الكفرِ والنِّفاقِ.