قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(إنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُواْ رَبَّهُمْ أنْ يُنْزِلَ سُورَةً فِيهَا ثَوَابُ الْقِتَالِ فِي سَبيلِ اللهِ). وَقِيْلَ : إنَّ المؤمنين كانُوا يَشتَاقُون إلى تَواتُرِ نزولِ القرآن، وكانوا يَستَوحِشُونَ إذا أبطأَ الوحيُ، وهو قولُهم ﴿ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ ﴾ أي هلاَّ نُزِّلتْ سورةٌ، يقولُ اللهُ تعالى :﴿ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ ﴾ ؛ أي بالأحكامِ التي لا يجرِي عليها النسخُ، يعني لا يُنسَخُ منها شيءٌ، قال قتادةُ :(كُلُّ سُورَةٍ يُذْكَرُ فِيْهَا الْجِهَادُ فَهِيَ مُحْكَمَةٌ وَهِيَ أشَدُّ السُّوَر عَلَى الْمُنَافِقِينَ).
والمعنى : أنَّ المؤمنِين قالُوا : هلاَّ أُنزِلَتْ سورةٌ تأمُرنا بالجهادِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ ﴾ ﴿ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ﴾ ؛ أي إيجابُ القتالِ، ﴿ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ ؛ وهم المنافِقُون، ﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ ؛ عندَ ذكرِ القتالِ كنظَرِ الذي هو في غَشَيَانٍِ من الموتِ، كراهةً منهم للقتالِ مخافةَ أن يُقتَلوا في الحرب. قال الزجَّاجُ : مَعْنَاهُ : رَأيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَشْخَصُونَ نَحْوَكَ بأَبْصَارهِمْ، وَيَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَراً شَدِيداً، شَزِراً بتَحْدِيقٍ شَدِيدٍ كَرَاهَةً مِنْهُمْ لِلْجِهَادِ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾ ؛ كلمةُ وعيدٍ لهم، ومعناهُ : وَلِيَهُم المكروهُ والعقابُ أولَى لهم، وهذا كما قالَ تعالى :﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾[القيامة : ٣٤]، قال الأصمعيُّ :(مَعْنَى قَوْلِهِ : أوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ؛ أيْ وَلِيَكَ وَقَارَبَكَ مَا تَكْرَهُ).


الصفحة التالية
Icon