وقولهُ تعالى :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ ؛ أي فلعَلَّكم إن انصَرفتُم من مُحَمَّدٍ ﷺ وعن ما يأمُركم به أنْ تعودُوا إلى مثلِ ما كُنتم عليه من الكفرِ والفسادِ في الأرضِ من وَأدِ البناتِ، ومن قَتْلِ بعضِكم بعضاً كفعلِ الجاهليَّة، وَقِيْلَ : معناهُ : لعلَّكم إنْ توَلَّيتُم أمرَ هذه الأُمة بعدَ النبيِّ ﷺ أنْ تُفسِدُوا في الأرضِ بالقتال، ﴿ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ ﴾ ؛ بالبغْيِ، فيقتلُ قريشٌ بني هاشِمَ، وبنو هاشمٍ قُريشاً.
وذهبَ كثيرٌ من الناسِ إلى أنَّ هؤلاءِ بنُو أُميَّة، والمعنى : فلعلَّكم إنْ أعرَضتُم عن الإيمانِ والقرآن، وفارَقتم أحكامَهُ أن تُفسِدُوا في الأرضِ فتَعُودُوا إلى ما كُنتم عليه في الجاهليَّة من الفسادِ وقتلِ بعضكم بعضاً، وتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُمْ بسَفكِ الدماءِ بعد ما جَمَعكم اللهُ بالاسلامِ والأُلفة، فتَعُودوا إلى ما كُنتم عليه في جاهلِيَّتكم من القتلِ والبغيِ وقطيعة الرَّحم. وقال المسيَّب بن شُريك :(مَعْنَاهُ : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أمْرَ النَّاسِ أنْ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بالظُّلْمِ، نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَفِي بَنِي هَاشِمٍ).
قرأ يعقوبُ وأبو حاتمٍ :(وَتَقْطَعُوا) مُخفَّفاً من القطعِ اعتباراً بقولهِ﴿ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾[البقرة : ٢٧]، وقولُ الحسن (وَتَقَطَّعُواْ) بفتح الحروف المشدَّدة اعتباراً بقوله﴿ فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾[المؤمنون : ٥٣]، وقرأ الكافَّة (وَتُقَطِّعُواْ) بضمِّ التاء وتشديدِ الطاء وكسرِها من القطعِ على التكثيرِ لأجل الأرحامِ.
ثم ذمَّ اللهُ تعالى مَن يريدُ ذلك فقالَ تعالى :﴿ أَوْلَـائِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ ؛ فلاَ يَسمعون الحقَّ ولا يهتَدون للرُّشدِ، يعني المنافقِين الذين يُفسِدون في الأرضِ، ويُقطِّعون أرحامَهم، ونسَبَهم اللهُ تعالى إلى الصَّمَمِ والعمَى لإعراضِهم عن أمرِ الله تعالى، وأمَّا في مُشاهدَتِهم فإنَّهم لا يكونون صُمّاً ولا عُمياناً، ومثلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾[الأحقاف : ٢٦].