قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ ؛ قال قتادةُ :(هُمْ كُفَّارُ أهْلِ الْكِتَاب، كَفَرُواْ بمُحَمَّدٍ ﷺ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ وَيَجِدُونَ صِفَتَهُ فِي كِتَابهِمْ، وَنَعْتَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ). فمعناهُ : إنَّ الذين رجَعُوا كفَّاراً من بعدِ ما ظهرَ لهم أمرُ النبيِّ ﷺ بنَعتهِ وصفتهِ في كتابهم، ﴿ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ ﴾ ؛ أي زَيَّنَ لهم القبيحَ، ﴿ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾ ؛ اللهُ تعالى ؛ أي أمْهَلَهُمْ مَوَسِّعاً عليهم ليتَمَادَوا في طُغيانِهم، ولم يُعجِّلْ عليهم بالعقوبةِ.
ويُحْسَنُ الوقوفُ على قولِ :﴿ سَوَّلَ لَهُمْ ﴾ لأنه فِعلُ الشيطانِ، والإملاءُ فعلُ اللهِ تعالى، على قولِ الحسنِ : لاَ يُحْسَنُ الْوُقُوفُ ؛ لأنَّهُ يُقَالُ فِي تَفْسِيرِهِ :﴿ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾ : مَدَّ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي الْعَمَلِ.
وقرأ أبو عمرٍو (وَأُمْلِي لَهُمْ) على ما لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ، وهو حسنٌ للفصلِ بين فعلِ الشَّيطان وفعلِ الله تعالى، ونعلمُ يقيناً أنَّهُ لا يُؤَخِّرُ أحدٌ مدَّة أحدٍ ولاَ يُوَسِّعُ فيها إلاَّ اللهُ تعالى. وقرأ مجاهدُ (وَأُمْلِي) بضمِّ الهمزةِ وإسكانِ الياء على معنى : وأنَا أُمْلِي لَهم.