قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ ؛ يعني : كفَّارَ مكَّة في مَنَعَةٍ وحَمِيَّةٍ وتكبُّرٍ عن الحقِّ، ﴿ وَشِقَاقٍ ﴾ أي خِلاَفٍ وعدَاوةٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ﴾ ؛ أي مِن أُمَمٍ بتكذِيبهم الرُّسُلَ، ﴿ فَنَادَواْ ﴾ ؛ عند وُقوعِ الهلاكِ بهم بالاستعاثةِ، ﴿ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ ؛ أي وليسَ الحينُ حينَ نَزْوٍ ولاَ قَرارٍ، قال وهبُ :(لاَتَ باللُّغَةِ السِّرْيَانِيَّةِ : وَلَيْسَ، وذلك أنَّ السِّريانِيَّ إذا أرَادَ أن يَقُولَ وَلَيْسَ يَقُولُ : وَلاَتَ) وقال أئِمَّةُ اللُّغَةِ :(أصْلُهَا (لاَ) زيْدَتْ فِيْهَا التَّاءُ، كَمَا زِيْدَتْ فِي ثَمَّتَ وَرُبَّتَ). وقال قومٌ : إنَّ التاءَ زيدَتْ في (حِينَ) كما زيدَتْ في قولِ الشَّاعرِ : الْعَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ وَالْمُطْعِمُونَ زَمَانَ أيْنَ الْمُطْعِمُ؟والمرادُ بتَحِينَ : حِينَ. فمَن قالَ : إنَّ التاء مع لاَ، فالوقفُ عليه بالتاءِ. ورُوي عن الكسائيِّ (وَلاَه) بالهاءِ في الوقفِ، ومثلهُ روى قنبلُ عن ابنِ كثير. ومَن قالَ : إن التاءَ مع حينَ لاَ، فالوقفُ عليهِ، (ولا) ثُم تبتدئ : تحين مناص.
قال ابنُ عبَّاس :(كَانَ كُفَّارُ مَكَّةَ إذا قَاتَلُواْ فَاضْطَرَبُواْ فِي الْحَرْب، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَنَاصٍ ؛ أيْ اهْرُبُواْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ بهِمُ الْعَذابُ ببَدْرٍ قَالُواْ : مَنَاصٍ، عَلَى عَادَتِهِمْ، فَأَجَابَتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ : وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصٍ ؛ أيْ لَيْسَ هَذا حِيْنَ مَنْجَى).
وَقِيْلَ : معناهُ :﴿ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ أي ليسَ هذا حينُ نُزْوٍ ولا حينَ فِرَار، والمناصُ مصدرِ من النَّوْصِ، يقالُ : نَاصَهُ يَنُوصُهُ إذا فَاتَهُ، ويكون النَّوْصُ بمعنى التأخُّرِ ؛ أي ليس هذا حينَ التأَخُّرِ، والنَّوْصُ هو الْفَوْتُ والتأخُّر.