وقولهُ تعالى :﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴾ ؛ معناهُ : إذ عُرض على سليمان بعدَ العصرِ الخيلُ السَّوابقُ وهي الخيول التي غَنِمَها سليمانُ من أهلِ دمشق وأهل نَصِيبينَ، كانوا جَمعوا جُموعاً ليقاتلوهُ فهزمَهم وأصابَ منهم ألفَ فَرَسٍ غُرابٍ فعُرضَتْ، فجعلَ ينظرُ إليها ويتعجَّبُ من حُسنها حتى شغلَتْهُ عن صلاةِ العصرِ وغربَتِ الشمسُ.
فذكرَ الصلاةَ فغَضِبَ وقالَ : رُدُّوا الخيلَ عَلَيَّ، فرُدَّت فجعلَ يضربُ سُوقَها وأعناقَها بالسَّيف حتى عَقَرَ منها تِسعمائة فرَسٍ، وهي التي كانت عُرضت عليه وبقيت مائةٌ لم تُعرض عليه، فكُلُّ ما في أيدِي الناسِ من الخيلِ العِراب فهي من نَسْلِ تلك المائةِ. هذا ذكرَهُ الكلبيُّ.
وقد اعتُرِضَ على هذا القولِ فقالُوا : كيف يجوزُ على النبيِّ ﷺ مِن الأنبياءِ أنْ يَغْفَلَ عن الصَّلاةِ المفروضةِ ثم يعمدَ إلى خيلٍ لا ذنبَ لها يعقِرُها؟! ويجابُ عنه : أنْ لم يكن ضربُ سُوقِها وأعناقِها إلاَّ وقد أباحَ اللهُ ذلك وأجزَى بهِ، وليس في الآيةِ ما يقتضِي أنَّ الصلاةَ كانت مفروضةً عليهِ في ذلك الوقتِ. وقد يذكرُ المسحُ ويراد الضربُ، يقول العربُ : مسحَ علاوته اذا ضرَبها بالسَّيف.
والصَّافِنَاتُ هي الخيلُ التي تقومُ وتكون القائمةُ الرابعة تَصِلُ إلى طرفِ حافرِها بالأرضِ. صَفَنَ الفرَسُ إذا يَصْفِنَّ صُفُوناً إذا قامَ على ثلاثٍ، وقَلَبَ أحدَ حوافرهِ. والجيادُ جمعُ جَوَادٍ، يقال فَرَسٌ جوادٌ اذا " كان سابقاً " بالرَّكضِ.