قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ قال مقاتلُ :(إنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمَّا قَدِمَ الْحُدَيْبيَةَ وَمَعَهُ الْهَدْيُ، قَالَ كُفَّارُ مَكَّةَ : قَتَلَ مُحَمَّدٌ أبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنَا، ثُمَّ أتَانَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا فِي مَنَازلِنَا، فَتُحَدِّثُ الْعَرَبُ أنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا عَلَى رَغْمِ آنَافِنَا، واللاَّتِ وَالعُزَّى لاَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا. فَهَذِهِ الْحَمِيَّةُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي دَخَلَتْ قُلُوبَهُمْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ؛ حتى لم يدخُلوا، ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ ؛ وهو كلمةُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، الكلمةُ التي يُتَّقَي بها من الشِّرك.
والحميَّةُ في اللغة : هي الأَنَفَةُ التي تَحمِي الإنسانِ كأنَّ قُلوبَهم حَمِيَّةٌ لِمَعصِيَةِ اللهِ، فأنزلَ اللهُ بدلُّ ذلك على قلب نَبيِّهِ عليه السلام وعلى قلوب المؤمنين من الطُّمأنينةِ والسُّكون والوقَار والهيبةِ، وألزَمَهم توحيدَ اللهِ والإيمان برسولهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ ؛ أي كانُوا أحَقَّ بكلمةِ التوحيد من كفَّار مكَّة وكانوا أهلَها في علمِ الله تعالى مستحقِّين لها في الدُّنيا، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ ؛ من أمرِهم، ﴿ عَلِيماً ﴾.
وعن وعثمانِ بن عفان رضي الله عنه قال :" سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ :" إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا عَبْدٌ حَقّاً مِنْ قَلْبهِ إلاَّ حَرَمَهُ عَلَى النَّار "، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه :(أنَا أُحَدِّثُكَ بهَا، هِيَ كَلِمَةُ الإخْلاَصِ الِّتِي ألْزَمَهَا اللهُ مُحَمَّداً وَأصْحَابَهُ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى).
وقال عطاءُ الخراساني :(هِيَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ). وعن عليٍّ رضي الله عنه أنْ سُئِلَ عَنْ كَلِمَة ِالتَّقْوَى فَقَالَ :(هِيَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ)، وهو قولُ ابنِ عمر. وقال عطاءُ بن رَباح :(هِيَ لاَ إلََهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وَقِيْلَ : إنَّ الْحَمِيَّةَ التي جعلَها الكفارُ في قلوبهم، هي مَا رُوي :" أنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا سَأَلُواْ رَسُولَ اللهِ ﷺ أنْ يَكْتُبَ لَهُمْ بكِتَاب الصُّلْحِ، قَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه :" أكْتُبْ : بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : أمَّا الرَّحْمَنُ فَلاَ نَدْري مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ : باسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : وَاللهِ لاَ يَكْتُبُهَا إلاَّ بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ ﷺ لِعَلِيٍّ :" أُكْتُبْ : باسْمِكَ اللَّهُمَّ، ثُمَّ اكْتُبْ : هَذا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ﷺ ". فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : وَاللهِ لَوْ نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، لَكِنِ اكْتُبْ باسْمِكَ وَاسْمِ أبيكَ، فَقَالَ ﷺ :" إنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَلَقَدْ كَذبْتُمُونِي ".
وَقَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه :" أمْحُ رَسُولَ اللهِ ﷺ " فََقَالَ عَلِيٌّ : لاَ أمْحُوكَ يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَمَحَاهُ النَّبيُّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ :" أكْتُبْ : هَذا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ سُهَيْلَ ابْنَ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْب بَيْنَ النَّاسِ بكَفِّ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أنَّهُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مِنْ أصْحَاب مُحَمَّدٍ حَاجّاً أوْ مُعْتَمِراً أوْ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللهِ فَهُوَ آمِنٌ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ. وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَازاً إلَى مِصْرَ أو الشَّامِ فَهُوَ آمِنٌ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ " ".


الصفحة التالية
Icon