قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ ﴾ ؛ وذلك أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَأى فِي الْمَنَامِ وَهُوَ بالْمَدِينَةِ قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ إلَى الْحُدَيْبيَةِ كَأَنَّهُ هُوَ وَأصْحَابُهُ حَلَقُواْ وَقَصَّرُواْ، فَأَخْبَرَ بذلِكَ أصْحَابَهُ فَفَرِحُوا وَحَسِبوا أنَّهُمْ دَاخِلُوا مَكَّةَ عَامَهُمْ ذلِكَ، وَقَالُواْ : إنَّ رُؤْيَةَ النَّبيِّ ﷺ حَقٌّ.
فَلَمَّا رَجَعَ وَأصْحَابُهُ مِنَ الْحُدَيْبيَةِ وَلَمْ يَدْخُلُواْ مَكَّةَ، قَالَ الْمُنَافِقُونَ : وَاللهِ مَا حَلَقْنَا وَلاَ قَصَّرْنَا وَلاَ دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. فأنزلَ اللهُ الآيةَ وأخبرَ أنه أرَى رسولَ الله الصِّدقَ في منامهِ، وأنَّهم يدخلونَهُ فقالَ اللهُ :﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ﴾ ؛ يعني العامَ المقبل، ﴿ إِن شَآءَ اللَّهُ ﴾ ؛ قال أبو عُبيدة :(إنَّ مَعْنَى : إنْ شَاءَ اللهُ) حَيْثُ أُريَ رَسُولَ اللهِ فِي الْمَنَامِ. وقال أبو العبَّاس أحمدُ بن يحيى :(اسْتَثْنَى اللهُ فِيْمَا يَعْلَمُ، ليَسْتَثْنِي الْخَلْقُ فِيْمَا لاَ يَعْلَمُونَ).
وَقِيْلَ : معناهُ : بمشيئةِ اللهِ، وقال بعضُهم : هذا اللفظُ حكايةُ الرُّؤيا التي رَآها النبيُّ ﷺ، وذلك أنَّهُ رأى في المنامِ أنَّ ملَكاً يُنادي :﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾. وَقِيْلَ : إنما كان ذلك تَأدِيباً للعبادِ ليَدخُلوا كلمةَ الاستثناءِ فيما يُخبرونَ عنه في المستقبلِ من نفيٍ وإثبات، قوله :﴿ آمِنِينَ ﴾ ؛ أي آمِنين من العدوِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ ؛ قَريباً أنَّهم يدخُلون مكَّة إلى أنْ يبلُغوا آخرَ النُّسُكِ، ﴿ لاَ تَخَافُونَ ﴾ ؛ العدوَّ، بخلافِ عامِ الحديبية. فيه دليلٌ أن الحلقَ والتقصيرَ قُرْبَةٌ في الإحرامِ من حيث إن الإحلالَ يقعُ بهما، وفيه دليلٌ أن المحرِمَ بالخيار عند التحليلِ من الإحرام إنْ شاءَ حَلَقَ وإنْ شاء قصَّرَ. وفي الحديثِ :" أنَّ النَّبيَّ ﷺ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاَثاً، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَ تَخَافُونَ ﴾ أي لا تخافُون من المشركين، ﴿ فَعَلِمَ ﴾ ؛ اللهُ ما في تأخيرِ الدُّخول عامَ الحديبيةِ من الخير والصَّلاحِ، ﴿ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ ﴾ ؛ أنتم، ﴿ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ ﴾ ؛ أي من قبلِ الدُّخول، ﴿ فَتْحاً قَرِيباً ﴾ ؛ يعني فتحَ خيبر.