قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ﴾ قرأ مجاهدُ وأبو صالح (اللاَّتَّ) بتشديد التاء، وقالوا : كان رجُلاً يَلُتُّ السَّوِيقَ للحاجِّ، فلما ماتَ عكَفُوا على قبرهِ يعبدونَهُ. وروَى السديُّ عن أبي صالح :(أنَّهُ كَانَ رَجُلاً بالطَّائِفِ يَقُومُ عَلَى آلِهَتِهِمْ وَيَلِتُّ لَهُمُ السَّوِيقَ بالزَّيْتِ، فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ). وقال الكلبيُّ :(هُوَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ بْنُ عُمَرَ، كَانَ يَسْلِي السَّمْنَ فَيَضَعُهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَتَأْتِي الْعَرَبُ فَتَلُتُّ بهِ أسْوِقَتَهُمْ).
" وأما العُزَّى فقال مجاهدُ :(شَجَرَةٌ لِغَطَفَانَ يَعْبُدُونَهَا) وَهِيَ الَّتِي بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَطَعَهَا، وَجَعَلَ خَالِدُ يَضْرِبُهَا بالْفَأْسِ وَيَقُولُ : يَا عُزَّى كُفْرَانَكِ لاَ سُبْحَانَكِ، إنِّي رَأيْتُ اللهَ قَدْ أهَانَكِ. فَخَرَجَتْ مِنْ تَحْتِهَا شَيْطَانَةٌ عَرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، دَاعِيَةٌ بوَيْلِهَا، وَاضِعَةٌ يَدَهَا عَلَى رَأسِهَا، فَقَتَلَهَا خَالِدٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأخْبَرَهُ بذلِكَ، فَقَالَ :" تِلْكَ الْعُزَّى، وَلَنْ تُعْبَدَ أبَداً " ".
وأما مَنَاة فهو صنمٌ لخزاعة، وقال الضحَّاك :(مَعْنَاهُ : صَنَمٌ لِهُذيْلَ)، وقال :(إنَّ مَنَاةَ صَنَمٌ كَانَتْ لِهُذيْلَ وَخُزَاعَةَ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ الله). وقال بعضُهم : اللاَّتُ والعُزَّى، ومناةُ أصنامٌ من حجارةٍ كانت في جوفٍ الكعبةِ.
والمعنى : أخبرُونا عن الآلهةِ التي تَعبُدونَها من دونِ الله، هل لها قدرةٌ تُوصَفُ بها كما يوصَفُ اللهُ بالقدرةِ والعَظَمةِ، وهي أسماءُ أصنامٍ يَعبدونَها، وانتقَوا لها اسماً من أسماءِ الله تعالى، فقالوا : مِن الله اللاَّت، ومن العزيزِ العزَّى، ومن المنَّانِ مناةُ بالهاءِ.
وقال الزجَّاجُ :(الْوَقْفُ عَلَيْهَا بالتَّاءِ لاتِّبَاعِ الْمُصْحَفِ)، وكان ابنُ كثيرٍ يقولُ :(وَمَنَأَةَ) بالمدِّ والهمزةِ، والصحيحُ : قراءةُ العامَّة بالقصرِ، و(الثَّالِثَةَ) نعتٌ لِمَنَاة، يعني الثالثةَ للصَّنمين في الذِّكرِ، والأُخرى نعتٌ لها أيضاً.


الصفحة التالية
Icon