قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ ؛ رُوي :" أنَّ رَهْطاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَدِمُوا عَلَى النَّبيِّ ﷺ، مِنْهُمُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابسٍ وَعُطَاردُ ابْنُ الْحَاجِب وَالْحَارثُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ، فَقَامُوا عَلَى بَاب الْمَسْجِدِ، فَنَادَى الأَقْرَعُ ابْنُ حَابسٍ : يَا مُحَمَّدُ أتَأْذنُ لِي فِي الْكَلاَمِ ؟ فَوَاللهِ إنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ وَذمِّي لَشَيْنٌ، فَقَالَ ﷺ :" كَذبْتَ! ذلِكُمُ اللهُ تَعَالَى ".
ثُمَّ أذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُواْ، فَقَالَ :" يَا مُحَمَّدُ أتَأْذنُ لِخَطِيبنَا ؟ " فَقَالَ ﷺ :" أُدْعُوا إلَيَّ ثَابتَ بْنَ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ " فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ ﷺ :" لِيَتَكَلَّمْ صَاحِبُكُمْ " فَتََكَلَّمَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ :" أجِبْ يَا ثَابتَ " فَأَجَابَهُ.
فَقَالَ الأَقْرَعُ :" إئْذنْ لِشَاعِرِنَا يَا مُحَمَّدُ " فَقَالَ عليه السلام :" أُدْعُوا إلَيَّ الْقَارعَةَ " يَعْنِي حَسَّانَ، فَلَمَّا جَاءَ حَسَّانُ قَالَ ﷺ :" لِيَتَكَلَّمْ شَاعِرُكُمْ " فَلَمَّا تَكَلَّمَ، قَالَ ﷺ :" أجِبْهُ يَا حَسَّانُ " فَأَجَابَهُ، فَقَالَ عُطَاردُ لِلأَقْرَعِ : وَاللهِ إنَّ مُحَمَّداً الْمُؤْتَى لَهُ - أيْ أُعْطِيَ كُلَّ شَيْءٍ - فَإنَّ خَطِيبَهُ أخْطَبُ مِنْ خَطِيبنَا، وَشَاعِرُهُ أشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا.
وَعَلَتِ الأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَكَانَ أشَدَّهُمْ صَوْتاً وَأعْلاَهُمْ ثَابتُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ بهِ صَمَمٌ لاَ يَكَادُ يَسْمَعُ إلاَّ أنْ يُصَاحَ بهِ فَيُجِيبُ بمِثْلِهِ. فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ، ونُهوا أن يَرفَعُوا أصواتَهم على صوتِ النبيِّ ﷺ تَعظِيماً له ؛ لأن رفعَ الصَّوت على الإنسانِ يُوهِمُ الاستخفافَ به في ظاهرِ الحال ".
وعن جابرِ بن عبدِالله قال :" لَمَّا جَاءَ بَنُو تَمِيمٍ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَنَادَوا عَلَى الْبَاب : أُخْرُجْ يَا مُحَمَّدُ ؛ فَإنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ وَذمَّنَا شَيْنٌ، قَالَ : فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَقَالَ :" إنَّمَا ذلِكُمْ اللهُ الَّذِي مَدْحُهُ زَيْنٌ وَذمُّهُ شَيْنٌ " قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، جِئْنَا بشَاعِرِنَا وَخَطِيبنَا لِشَاعِرِكُمْ وَنُفَاخِرُكَ، فَقَالَ ﷺ :" مَا بالشِّعْرِ بُعِثْتُ وَلاَ بالْفَخَار أُمِرْتُ، وَلَكِنْ هَاتُوا ". فَقَالَ : لِشَابٍّ مِنْ شَبَابهِمْ : قُمْ يَا فُلاَنُ فَاذْكُرْ فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَامَ فَقَالَ :
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنَا خَيْرَ خَلْقِهِ، وَآتَانَا أمْوَالاً نَفْعَلُ فِيْهَا مَا نَشَاءَ، فَنَحْنُ مِنْ خَيْرِ أهْلِ الأَرْضِ وَأكْثَرِهِمْ عُدَّةً وَسِلاَحاً وَمَالاً، فَمَنْ أنْكَرَ عَلَيْنَا قَوْلََنَا فَلْيَأْتِ بقَوْلٍ هُوَ أحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا، وَفِعَالٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِنَا.
فَقَالَ ﷺ لثابتِ بن قَيسٍ، وَكَانَ خَطِيبَ رَسُولِ اللهِ ﷺ :" قُمْ " فَقَامَ فَقَالَ : الْحَمْدُ للهِ أحْمَدُهُ وَأسْتَعِينُهُ وَأُؤْمِنُ بهِ وَأتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا الْمُهَاجِرِينَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهاً فَأَعْظَمَهُمْ أخْلاَقاً فَأَجَابُوهُ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنَا أنْصَارَهُ، وَرَدَّ اللهُ لِرَسُولِهِ وَعَزَّ الْمَدِينَةَ. فَنَحْنُ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُواْ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَمَنْ قَالَهَا مَنَعَ مِنَّا مَالَهُ وَنَفْسَهُ، وَمَنْ أبَاهَا قَتَلْنَاهُ، وَكَانَ قَتْلُهُ فِي اللهِ عَلَيْنَا هَيِّناً، أقُولُ قَوْلِي وَأسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
فَقَالُواْ لِشَابٍّ مِنْهُمْ : قُمْ يَا فُلاَنُ فَقُلْ أبْيَاتاً تَذْكُرُ فِيْهَا فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَامَ الشَّابُّ وَقَالَ :"