قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ ؛ وذلك : أنَّ قَوْماً مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ وَهُمْ حَيٌّ مِنْ تَمِيمٍ، بَعَثَ النَّبيُّ ﷺ إلَيْهِمْ سَرِيَّةُ، وَأمَّرَ عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْفَزَّاريُّ، فَهَرَبُوا فَسَبَى ذرَاريهِمْ وَنِسَاءَهُمْ وَجَاءَ بهِمْ إلَى النَّبيِّ ﷺ، فَجَاءَ رجَالُهُمْ لِيُفَادُوا ذرَاريهِمْ، فَدَخَلُواْ الْمَدِينَةَ عِنْدَ الْقَيْلُولَةِ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ نَائِمٌ.
فَلَمَّا أبْصَرَهُمُ الْعِيَالُ بَكَوا عَلَيْهِمْ، فَنَهَضُواْ وَعَجَّلُواْ قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ إلَيْهِمُ النَّبيُّ ﷺ، وَجَعَلُوا يُنَادُونَ : يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إلَيْنَا، وَكَانَ ﷺ حِينَئِذٍ نَائِماً، فَتَأَذى بأَصْوَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوْا فِي أيِّ حُجْرَةٍ هُوَ، فَجَعَلُواْ يَطْرِقُونَ عَلَى جَميعِ حُجُرَاتِهِ، وَكَانَ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حُجْرَةٌ وَبَيْتٌ، فطَافُوا عَلَى جَمِيعِ الْحُجُرَاتِ وَهُمْ يُنَادُونَ : اخْرُجْ عَلَيْنَا.
وقولهُ تعالى :﴿ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ وصَفَهم اللهُ بالجهلِ وقلَّة العقلِ وقلَّة الصبرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ ؛ يعني ولَو أنَّهم صبَرُوا حتى تخرجَ إليهم للصَّلاة لَخَلَّى سبيلَهم بغيرِ فداءٍ، فلما نادَوهُ وأيقظوهُ أعتَقَ نصفَ ذرَاريهم وفادَى نِصفَهم بقوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ ﴾ كُنتَ تَعِيقُ كُلَّهم، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ؛ لِمَن تابَ منهم.