قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ﴾ ؛ فيه بيانُ نِعَمِ البحرِ، واللُّؤلؤ معروفٌ وهو الكبارُ من جنسِ اللُّؤلؤ، والْمَرْجَانُ : صِغَارُهُ، وإنما يخرُجان من الملحِ دونَ العذب، كاللُّقاحِ للملحِ، إلاّ أنه قالَ ﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا ﴾ لأن ذلك لا يوجَدُ إلاَّ بحيث يكون العذبُ والملحُ جميعاً. وَقِيْلَ : المرجَانُ : ضربٌ من الجوهرِ كالقُضْبَانِ يخرجُ من البحرِ.
وقال ابنُ عبَّاس :(يَخْلِقُ اللهُ اللُّؤلُؤَ وَالْمَرْجَانَ مِنْ قَطْرِ الْمَطَرِ، وذلك أنَّ السماءَ إذ أمطَرَتْ فتحتِ الأصدافُ أفوَاهها على وجهِ الماء في البحرِ الملح، فما وقعَ من المطرِ في أفواهِها نزلَ إلى صدرها فانعقدَ لُؤلؤاً).
وقال السديُّ :(الْمَرْجَانُ الْخَرَزُ الأَحْمَرُ). وعن ابنِ مسعودٍ :(أنَّ الْمَرْجَانَ حَجَرٌ). وذكرَ إنْ كانت في جوفهِ صدفةٌ، فأصابت قطرةٌ بعضَ النواةِ ولم تُصِبْ بعضَها، فكان حيث أصابَ القطرةَ من النواةِ لؤلؤةٌ وَسَائِرُهُ نَواةٌ.
وسائرُ القرَّاء على أنَّ (يُخْرِجُ) بضمِّ الياء وفتحِ الراء، وهو اختيارُ أبي عُبيدة وأبي حاتم ؛ لأنه يُخرَجُ ولا يخرَجُ بنفسهِ. وقرأ (يَخْرُجُ) بفتحِ الياء وضمِّ الراء ؛ لأنه إذا أُخرِجَ خرجَ.
فإن قِيْلَ : كيف قال (يَخْرُجُ مِنْهُمَا) وإنما يخرجُ من أحدِهما وهو الملحُ ؟ قِيْلَ : هذا جائزٌ في كلامِ العرب أن يذكر شَيئان ثم يخصُّ أحدَهما وهو يفعلُ دون الآخرِ كقوله تعالى﴿ يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ ﴾[الأنعام : ١٣٠] والرُّسل من الإنسِ دون الجنِّ. قال الكلبيُّ :(وَكَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ﴾[نوح : ١٦] وَإنَّمَا هُوَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا). وَقِيلَ : يخرجُ من ماءِ السَّماء ماءٌ وماء البحر. و ﴿ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon