قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ﴾ ؛ يُسأَلُ سُؤالَ استفهامٍ ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يُظهِرُ على كلِّ مُجرِمٍ علامةً تدلُّ على معصيتهِ، وعلى كلِّ مُطيعٍ علامةً على إطاعتهِ، لأنَّ اللهَ تعالى قال بعدَ هذه الآية :﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ﴾ ؛ أي بعَلامَتِهم من سَوادِ الوُجوهِ وزُرقَةِ الأعيُنِ، ﴿ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ﴾ ؛ فيُجعَلُ أقدامُهم مغلولةً إلى نواصِيهم مِن خَلْفٍ ويلقَونَ في النار كذلك، والناصيةُ : شَعرُ مقدمِ الرَّأسِ، ﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.
ويقال للمجرمين عندما يُقذفون في النار :﴿ هَـاذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾ ؛ يعني المشرِكين. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ ؛ معناهُ : يطُوفون بين أطباقِ النِّيران وبين ماءٍ حارٍّ قد انتهَى حرُّهُ، إذا استغَاثُوا من الحميمِ من النار، جُعِلَ غِيَاثُهم الحميمُ الآخر، وإذا استغَاثُوا من الحميمِ جُعِلَ غِياثُهم النارُ، فيُطاف بهم مرَّة إلى الحميمِ ومرَّةً إلى النار.
يقال : آنَى يَأْنِي أناً فهو آنٍ، إذا انتهَى في النُّضجِ والحرارةِ، قال قتادةُ :(طُبخَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ). حدَّثنا المردوية الصانع قال : صلَّى بنا الإمامُ صلاةَ الصُّبح، فقرأ فيها سُورةَ الرَّحمن ومَعَنَا عليُّ بنُ الفُضَيلِ، فلما قرأ ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ﴾ خَرَّ مَغشِيّاً عليه حتى فَزِعنَا من الصَّلاة، فقُلنا له بعدَ ذلك : يا عليُّ أمَا سَمِعتَ الإمامَ يقولُ :﴿ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾[الرحمن : ٧٢] قالَ : شغَلَنِي عنها ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ﴾. ﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon