قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ ؛ معناهُ : ولِمَن خافَ وُقوفَهُ في عرَضَاتِ القيامةِ بين يَدَي اللهِ تعالى، فتَركَ المعصيةَ رهبةً من اللهِ تعالى له جنَّتان بُستَانَانِ من الياقوتِ الأحمرِ والزمُرُّد الأخضرِ، تُرَابُهما الكافورُ والعنبَرُ، وحصَاهُما المسكُ الأَذْفَرُ، كلُّ بستانٍ منهما مسيرةُ مائةِ سنة، في وسطِ كلِّ بستانٍ دارٌ من نورٍ، وقال محمَّد بن علي الترمذي :(جَنَّةٌ دَاخِلَ قَصْرِهِ لِخَوْفِهِ وَجَنَّةٌ خَارجَ قَصْرِهِ لِتَرْكِهِ)، ﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.
وفي الحديث :" أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإذا تَمَكَّنَ مِنْهَا وَقَدَرَ عَلَيْهَا وتَذكَّرَ مَا فِي ارْتِكَابهَا مِنَ الْعِقَاب، وَمَا فِي تَرْكِهَا مِنَ الثَّوَاب، فَتَرَكَهَا فَلَهُ جَنَّتَانِ " هذه صِفتُهما :﴿ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ ﴾ ؛ أي ذواتَا أغصانٍ، واحدُها فَنَنٌ وهو الغصنُ المستقيم طُولاً. وقال الزجَّاحُ :(الأَفْنَانُ : الأَلْوَانُ وَالأَغْصَانُ) أي ذواتَي الألوانِ وأصنافٍ من الفاكهةِ لا يُعدَمُ فيه لونٌ من ألوانِها، واحدُها فَنٌّ، وجمعَ عطاءُ بين القولَين فقالَ :(يُرِيدُ فِي كُلِّ غُصْنٍ فُنُونٌ مِنَ الْفَاكِهَةِ)، ﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.
وفي ذكرِ الأغصان بيانُ كَثرَةِ الأشجار، وبكثرةِ الأشجار تمامُ حالِ البُستان، فإنَّ البستانَ لا يكملُ إلاَّ بكثرةِ الأشجار، والأشجارُ لا تحسُن إلاَّ بكثرةِ الأغصانِ، ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾ ؛ أي في البساتينِ عَينان تجريان، إحداهما : السَّلْسَبيلُ، والأُخرى : التَّسْنِيمُ، تجرِيان في غيرِ شِقٍّ ولا أُخدُودٍ. ﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon