قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ؛ قال بعضُهم : الضميرُ يعود إلى الكتاب الْمَكْنُونِ، معناهُ : لا يَمَسُّ اللوحَ المحفوظَ إلاّ المطَهَّرون من الذُّنوب وهم الملائكةُ. وقال : الضميرُ يعود إلى القرآنِ، ومعناهُ : الْمُصْحَف لا يَمسُّه إلاَّ المطهَّرون من الأحداثِ والجناباتِ والحيضِ، كما رُوي عن النبيِّ ﷺ :" لاَ يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلاَّ طَاهِرٌ ".
وَقِِيْلَ : معنى الآيةِ : لا يعملُ به إلاّ الموَفَّقُون. وَقِيْلَ : لا يجدُ حلاوتَهُ إلاّ المفسِّرون : وَقِيْلَ : معناهُ : لا يقرَؤُه إلاّ الموحِّدُون المطَهَّرون من الشِّركِ، وكان ابنُ عبَّاس (يَنْهَى أنْ يُمَكَّنَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ). وَقِيْلَ : معناهُ : لا يَجِدُ لذتَهُ إلاّ مَن آمَنَ به. وَقِيْلَ : لا يُوفَّقُ للعملِ به إلاّ السُّعداءُ.
فظاهرُ الآيةِ : لا يجوزُ للمُحْدِثِ مَسُّ المصحفِ، وإنْ كان ظاهِرُها نفيٌ، فمعناهُ : النهيُ ؛ أي لا يَمَسُّ المصحفَ إلاّ المطَهَّرون من الأحدَاثِ، وإلى هذا ذهبَ جمهورُ الفقهاءِ.
وذهبَ حكيمُ وداودُ بن عليٍّ إلى أنه يجوزُ للمُحدِثِ مسُّ المصحَفِ اذا كان مُسلِماً، ولا يجوزُ ذلك للمُشركِ.
والدليلُ على أنه لا يجوزُ للمُحدِثِ مسُّهُ قوله عليه السلام :" لاَ تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلاَّ وَأنْتَ طَاهِرٌ " وعليه إجماعُ الصَّحابة. وسُئِلَ عليٌّ رضي الله عنه : أيَمَسُّ الْمُحْدِثُ الْمُصْحَفَ ؟ فَقَالَ :(لاَ).